أمامنا في إنجيل اليوم حادثتا شفاء:
الحادثة الأولى تخبرنا عن انسان، رئيس مجمع اليهٍود، يأتي ويخرّ عند قدمي يسوع، يسلم النفس له ويجعل كل أمله فيه، ويطلب شفاء ابنته فيما كانت مريضة.
السجود هو الاستسلام الكامل لمشيئة الرب. العابد وحده يسجد. المؤمن ليس فقط الذي يعرف أن لنا إلهًا في الكون بعيدا نتكلّم عنه كلامًا دينيا. لكن المؤمن وحده يركع ويفتح قلبه لله. الانسان الذي لا يصلّي لا يعرف الله، والصلاة المؤمنة تثق بأن الرب فعّال وبأنه يشفي من المرض ومن الضيق. العبادة ليست كلاما، العبادة سجود في حضرة الرب في يقين وسلام.
الحادثة الثانية التي يكلّمنا عنها الإنجيل حادثة امرأة ينزف دمها. هي أيضًـا لمست الرب يسوع.
الأول سجد والثانية لمست، أي ان القضية قضية التصاق بالمسيح بحيث لا يبقى حاجز بينه وبيننا. إن حياتنا مع المسيح كلها تحرّك من سجود في الإيمان إلى سجود في الشكر والتسبيح.
«يا امرأة إيمانك أبرأك، اذهبي بسلام» لأنني أُعطيك سلاما. إيمانك أبرأك أي ان الذي آمنت به أبرأك. لا يجوز لنا مسيحيا أن نقول: آمن فقط حتى ولو بالحجر. الحجارة لا تسنطيع أن تشفي، والطلاسم لا تفيد، وأفكار الناس وأوهامهم لا تُجدي، ولكن إيمانهم يشفيهم. إيمانهم يشفيهم اي ان الذي يضعون ثقتهم فيه، الذي يكون موضع رجائهم، يسوع المسيح وحده، هو الذي يشفي ويغفر.
المسيح يشفينا أي انه يجعلنا في سلام، وهذا يعني بالدرجة الأولى ألا نخاف. اننا نخاف عندما يقترب الله منا. كل افتقاد إلهيّ يخيف. ولكن السيد يريد أن يدخل إلى حياتنا، واذا كان الرب معنا في سفينة العمر فنحن سائرون ولا ريب إلى ميناء الخلاص. المهم أن لا نخاف، أن نتابع السير.
قال يسوع ليايرس: «لا تخف». لا تخف من موت ابنتك فإن المؤمن في طمأنينة القلب وفي رضاء دائم. وهنا يتبادر إلى ذهننا قول المزمور: «ان الرب أمامي في كل حين. انه عن يميني فلا أتزعزع… واحدة اسألك يا رب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب طول أيام حياتي».
الذي يسكن مع المسيح أي ان الذي يأتيه السكون في المسيح، هذا إنسان يرى الرب أمامه كل حين، ولذلك لا يتزعزع ولا يرهب عاصفة من عواصف هذا الدهر لأنه أَسلم النفس للمسيح الآتي اليه في كل حين. بالنعمة يُلاطفه، وبالنعمة يرضى عنه، وبالنعمة يشفيه ويغفر له كل خطاياه.
ونحن فيما نتابع حياتنا، جدير بنا، أمام كل مشكلة ومحنة ومرض، وأمام كل حزن وخوف وموت، أن نكون أمام السيد، أن نسجد له بحيث نُلاصقه ونلتصق به كالنازفة الدم، ونطرح كل خوف جانبًا. اذ ذاك يضع الرب يده على رأس كل منا ويقول: يا بني لا تخف، إيمانك يشفيك دائما، اذهب بسلام.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 45، الأحد 9 تشـرين الثاني 2014.