اليوم المذكور هنا هو يوم الخمسين بعد الفصح اليهودي. كان الرسل مجتمعين في عليّة صهيون غالبًا، تلك التي تناول فيها السيّد العشاء الأخير مع تلاميذه وأسس فيها سرّ الشكر (“خذوا كلوا هذا هو جسدي”). وغالبًا كان معهم المسيحيون الآخرون مع النساء حاملات الطيب.
العنصرة التي يصفها الكتاب كانت صورتها “ألسنة منقسمة كأنها من نار استقرّت على كل واحد”. كل من التلاميذ تقبّل الروح القدس. نزول الروح هو على كل الكنيسة ولكنّه أيضًا “على كل واحد” كما يقول سفر الأعمال. وهذه العنصرة ذاتها تكررت في ما بعد اذ يتلقى كل مسيحيّ بعد معموديته الروح القدس في سرّ الميرون المقدّس.
امتلأوا كلهم من الروح القدس بمعنى ان الروح نزل على الكنيسة كلها وعلى كل واحد. في القداس ينزل على الكنيسة كلها. في المعمودية مع سر الميرون يأخذه كل معمّد.
عند نزول الروح القدس أخذوا يتكلّمون بلغات أخرى ذكرها بعد أسطر قليلة سفر الأعمال. هل عنى سفر الأعمال أنهم نطقوا بألسنة غير الآرامية التي كان ينطق بها يهود فلسطين أَم أراد أن السامعين صاروا يفهمون هذا الكلام الغريب؟ التفسيران واردان. “كل واحد كان يسمعهم ينطقون بلغته” يمكن ان تعني انهم تطقوا بألسنة أخرى ويفهمها الجميع او أن كل واحد سمع لغته التي وُلد عليها.
سفْـُر الأعمـال يُعدّد البلـدان التي هاجـر اليها اليهود الذين جـاؤوا الى اورشليم للعيـد وتعلّمـوا لغـة البلد الذي قطنوه. وهنا يذكُر فصل الأعمال بلدانا مختلفة من الشرق والغرب وشمالي افريقيا. العرب الذين يذكُرهم بين هؤلاء الأقوام كانوا عرب حوران، وليس ما يدلّ على أنّه في ذلك الزّمن الغابر كان اليهود يسكنون الحجاز على أيّة حال. غالبًا أتى اليهود الى الجزيرة العربية نتيجة دمار اورشليم السنة السبعين. هاجر قسم من اهل اورشليم الى الحجاز كما هاجر آخرون الى مناطق اخرى.
يذكر الكتـاب شعـوبا كثيـرة كان منها مَن حَجّ الى فلسطين للفصح. هؤلاء نُسمّيهم أهل الشتات كانوا منتشرين في العالم المتمدّن آنذاك اي في الامبراطوريّـة الرومانيـّة. هـؤلاء عرفهـم بولس الرسـول في جولاته الثـلاث. يذكُرهم سفر الأعمال باسم البلدان التي هاجروا اليها. هؤلاء شهدوا على أنّ الرسل والمسيحيين الأوائل، بعد أن حـلّ عليهم الروح القدس، أخـذوا ينطـقـون بلغـات اليهـود الذين كـانـوا قد تجمّعوا للعيد في أورشليم.
هذه العنصرة إياها مستمرة في الكنيسة بما يسمّيهم العهد الجديد مواهب الروح القدس في الكنيسة الأولى. وتشترك فيها اليوم، الى هؤلاء، كل الجماعات التي تُقيم القداس الإلهي وينزل عليها الروح في الاستحالة. كما يشارك فيها من خصّه الروح بمواهب خاصة معطاة الى هذا او ذاك لمنفعة الكنيسة كلها.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 25، الأحد ٢٣ حزيران ٢٠١٣