كلمة “رحمة” في “معجم المعاني” الجامع تفيد الرّقة، الشّفقة. وفي “قاموس المعاني” تفيد ما ينزل عليك من خير ونِعَم من الله.
كم من مرّة لفظنا هذه العبارة بأشكالها المتنوِّعَة: “يا ربّ ارحم”. والكلام الواعي يفترض إقرارًا بخطايانا وتوبة عنها.
هذه الرَّحمة المطلوبة من الله تتجاوز العدل، هي دعوة إلى التّشبّه بالله. الرّحمة صفة من صفات الله: “كونوا رحماء كما أنّ أباكم هو رحيم” (لوقا 6: 36).
الرّحمة تفترض صدرًا واسعًا، محبّةً واسعةً كرحم المرأة. تفترض احتضانًا للآخَرين على غرار الله الّذي يحتضننا، وأيضًا صبرًا كثيرًا. اللّفظة اليونانيّة “Makrothimia”، طويل الأناة، تعني حرفيًّا بطيء الغضب. وسِّعْ قلبَك حتّى يكون شبيهًا بقلب الله. هو أب عطوف، هو “الطّويل الأناة، الكثير الرّحمة، الجزيل التّحنّن، الّذي يحبّ الصِّدِّيقين ويرحم الخطأة، الدّاعي الكلّ إلى الخلاص بموعد الخيرات المُنْتَظَرَة….”
* * *
الرّحمة لا تنفي الشّدّة عند الاضطرار. لا بدّ أحيانًا من التَّأديب والكَسْرِ سبيلًا إلى الشّفاء: “كلّ تأديب في الحاضر لا يُرى أنّه للفرح بل للحزن، وأمّا أخيرًا فيُعطي الّذين يتدرّبون به ثمر بِرٍّ للسّلام. لذلك، قوِّموا الأيادي المُسترخِيَة والرُّكَب المخلَّعَة واصنعوا لأرجلكم مسالِك مستقيمة لكي لا يَعْتَسِفَ الأعرج بل بالحري يُشفَى” (عبرانيين 12: 11-12).
مارِسِ الغُفْرَانَ. هو الدّواء الشّافي من الحقد. اِغْفِرْ لأخيك المخطئ إليك لأنّه من لحمِ المسيحِ ودمه. طلَبُنَا بإلحاح “يا ربّ ارحم” أربعين مرّة، مثلًا، إن كان يصدر عن صراخ من القلب، يَستجلِبُ انتباه الله. كان أعمى أريحا يصرخ قائِلًا: “يا يسوع يا ابن داود ارحمني”، فانتهره الآخَرون ليسكت. أمّا هو فصرخ أكثر كثيرًا “يا ابن داود ارحمني”، فأجابه يسوع أخيرًا “أَبْصِرْ! إيمانك قد شفاك” (لوقا 18: 38 و42).
لذلك، نُكْثِرُ في صلاتنا اللّيتورجيّة الطّلب بإلحاح: “ارحمنا يا الله كعظيم رحمتك نطلب منك فاستجب وارحم”. هذا كلّه إن كنّا نؤمن فعلًا أنّ الرّبّ يسوع الإله هو المخلّص: “إيمانُك خلَّصَكَ، اذهَب بسلام”.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 28، الأحد 13 تموز 2014