حالتنا مع الرب أننا معذّبون وان الرب دائما يشفي. ليس لنا أن نتساءل لماذا نحن في الآلام، لماذا وُجدنا في الآلام. الوحي الإلهي لا يجيب عن هذا السؤال، لا يقول لأي سبب نحن مطروحون في الأوجاع، في أوجاع الجسد، في أوجاع الروح، في أوجاع الضمير. يكتفي الكتاب الإلهي في أن يلاحظ ذلك، وينطلق منه ليكشف لنا كيف نستطيع أن نخرج من هذه الآلام أو كيف نقدر أن نحتملها ونحوّلها إلى طاقة إبداع وتقرّب من الله فنجعلها سُلّما نرتقي بها إلى السماء.
عندنا في الكتاب وعود بالشفاء وبالخلاص من الخطيئة. وعندنا وعد بالفرح وكشف للحياة الأبدية التي تأتي عندما نقتبل سر الله ونطيعه في كل ما نذوقه من مصائب الدنيا، في الروح كان أم في الجسد. عندما نكون في حال من هذه الأحوال، في عذاب كهذا الذي وقع فيه الرجال العشرة البرص الذين يذكُرهم لنا إنجيل اليوم، لسان حالنا مع السيد ان نقول: «يا رب ارحمني».
نلاحظ هنا ان الرجال استرحموا يسوع، وهذا أشمل من قضية الشفاء. عندما نطلب الشفاء، أكثرنا يطلب شفاء الجسد، وهذا صالح. الألم الجسديّ يُلقينا في ما هو مبهم، وكأننا تجاهه في خلوةِ قمّة عالية حيث صفاء الهواء يجعل التنفس صعبا ومضنيا. في الضعف الجسدي العضَليّ تسقط كل تساؤلاتنا. كل ما ادّخرناه من معرفة وفهم يزول ويفنى، يصبح لا شيء. نعلق هكذا في فراغ وعجز وفقر. نداهَم فجأة بتفاهة كل ما نتعرقل به من سعي ومآرب. السقم والمرض يمحوان كل ما هو سطحيّ فينا. نُنَقّى داخليا اذ نُعمّد بدموع الألم. والسيد دائما يفتقدنا هناك فيما تجفّ اأحشاؤنا في داخلنا فنعطش حقا الى ماء حيّ ونلتمسه في ما نعرف من عمق وجدّيّة.
يأتي السيد ويُلازمنا في وحدتنا. يقف من بعيد. يمرّ بنا كما يذكر لنا النص الإنجيليّ. لا يفرض نفسه بل ينتظرنا. يخاطبنا بلغتنا نحن. فإن قبلنا الحوار، إن تعلّمنا كيف ننتفض ونقول: «ارحمني»، حتى ولو بدا لنا غريبا، حتى إن لم نكن نعرف اسمه، يدخل هو في حوار معنا ويزيل بحضرته حشرجة أهوائنا، يطفئ لهيب سهامها ويحوّل ضجيج أفكارنا الى ينبوع يفيض فينا فننتعش، يرفع عنا كل ضيق ونبقى للمسيح.
ما هو موقفنا في المصاب بعد أن نقع في الشر، بعد أن تجتاح الظلمات نفوسنا؟ أية صلاة نصلّي؟ هل نحن واثقون بأن الله نفسه ينحدر إلينا اذا صلينا؟ هل نعرف أن الله يريد أن نخدمه، ان ندخل معه في حوار؟
الله قادر بالطبع أن يستجيب في كل حين، وهو مُستجيب بالفعل اذا سألنا واذا لم نسأل لأنه يعلم حاجتنا. ومع ذلك فالرب يفضّل ان نُكلّمه لكي نتدرّب على صداقته. انه يطلب منا هذه الدالّة، دالّة البنين على أبيهم. وهذا ما نطلبه في القداس الإلهي قبل أن نتلو الصلاة الربّيّة اذ نقول: «وأهّلنا ايها السيد أن نجسر بدالّة لندعوك أبا».
الله يريد ان يختلط بنا، ان يعاشرنا لكي نعرف أننا ارتفعنا الى مصف الألوهة ولكي ندرك أن الله تنازل الى مصاف البشر. واذا جاء الله الى نفوسنا كما هي، كما نعهدُها، في ضعفها، في هوانها، في قذارتها، اذا جاء الله الى هذه النفوس فهو شافيها.
تجربة الألم القصوى هي أن نتعلّق بألمنا، ان نُغلق النوافذ بالكلّية على أنفسنا فنختنق داخليا. قلوبنا تذبل، عقولنا تسكت، ضمائرنا تتسكّع فنموت روحيا. الانسان لا يختنق فقط من رئتيه، يختنق إن رفض ان يفتح النوافذ متى أَحسّ بالاختناق، لأنه إن فتح نوافذ القلب الى السماء فالرب يأتي اليه ويحاوره والحوار تنفّس وانتعاش.
الصلاة تنفّس. اذا ما كنا متأكدين من هذا الأمر، نستطيع ان نتغلب على جميع تجارب الدنيا لأن أرواحنا تكون مليئة من النعمة.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 3، الأحد 18 كانون الثاني 2015