تحوي صلاة النوم الكبرى التي ترافق أيام الصوم الكبير الكثير من التراتيل المحبوبة والمعروفة من معظم المؤمنين الذين يأتون يوميًا إلى الكنيسة لتسبيح الله وللاغتذاء من الصلاة بدلاً من الطعام، تحقيقًا لما قاله الربّ لمجرّبه «ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله» (متى ٤: ٤). من هذه التراتيل عندنا نشيد عمانوئيل، معنا هو الله، الذي تردده الجوقة على شكل آيات مأخوذة من الكتاب المقدس، وتنهي كل آية باللازمة: لأنّ الله معنا.
اختيرت آيات هذا النشيد من الاصحاحين الثامن والتاسع من سفر أشعياء النبي. نجد في هذين الاصحاحين مقارنة بين قسمين من شعب الله. ففي تلك الفترة، القرن الثامن قبل المسيح، كان الوضع السياسي معقّد جدًّا وكان اليهود منقسمين إلى مملكتين، مملكة الشمال ومملكة الجنوب، وكانت أجواء الحرب تحيط بهم من الأشوريين شمالاً ومن المصريين جنوبًا، وكان وضع الملوك دينيًا سيئًا جدًّا إذ قاموا بالمزج بين عبادة الله وعبادة الأوثان.
في هذا الجو، كان الشعب خائفًا على مصيره ويبحث عن ملجئ يحتمي به وقوة تعينه فدخل الشك وضعف الإيمان إلى كثيرين وضَعُفَ الاتكال على الله وشريعته وتعاليمه. ما عاد الله مصدر القوة والثقة والثبات، اصبح الايمان أمرًا مؤجّلاً، ثانويًّا، وأصبح التحالف السياسي والعسكري، وإن كان على حساب الايمان والعبادة المستقيمة، هو الغاية المنشودة.
في هذه الأوضاع أتى اشعياء، حاملاً كلمة الله وتعاليمه وشريعته، يواجه الملوك وانحرافات الشعب ويوبّخهم ويحاول أن يعيدهم عن ضلالهم. يوبّخ الشعب الذي «رذل مياه سلوام الجاريّة» (إشعياء ٨: ٦)، حسب تعبيره، أي الذي ابتعد عن كلمة الله المحييّة، الشعب الذي لجأ إلى العرّافين والمشعوذين، ويقول فيهم: «ألا يسأل شعب إلهه؟ أيسأل الموتى لأجل الأحياء؟» (إشعياء ٨: ١٩). ويحذّرهم أشعياء ليعودوا إلى الشريعة وإلى الشهادة الحق، وإن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر، فيعبرون مضايَقين وجائعين، ويكون حينما يجوعون (أي يكونون في ضيق) أنّهم يحنقون ويسبّون ملكهم وإلههم، ويلتفتون إلى فوق (أي يتطلّعون إلى الله بتحدّ وكفر)، وينظرون إلى الأرض وإذا شدّة وظلمة قتام الضيق» (إشعياء ٨: ٢٠-٢٢). هذا ما يبقى لهم لأنّهم تركوا معينهم الوحيد.
وأمّا القسم الثاني من الشعب فقلّة عزيزة بقيت أمينة للرب، فيشدّدها الله على لسان أشعياء ويطمئنها، مهما يحصل ومهما اشتدت الأمور وصعبت، فالرب آت ليخلّصهم من الأعداء المنظورين وغير المنظورين، فاسمعوا ايها الأمم وانهزموا لأنّ الله معنا ومهما قويتم وتجبرتم فستنغلبون، لأنّ الله آت ويولد صبي رئيس آب الدهر الآتي، مخلصنا الرب يسوع المسيح.
نشيد عمانوئيل نشيد فرح، نشيد تعزية، نشيد يحلّ سلام الله في قلب المؤمن المتكّل على الرب، المتمسّك بكلمته، والمؤمن الثابت في ثقته بوعود الله، الذي يحيا من كلمة الله ووصاياه، اي الذي يحارب كل هجمة عليه بكلمة الله وطاعتها. كلّ هجمة. هجمة أعداء منظورين يأتون لقتل الجسد أو لاستعباده وإخضاعه وإذلاله، أو أعداء غير منظورين يأتون لمحاربة الإنسان من الداخل.
الله معنا، لا تعني أنّه ضدّكم، الله معنا لأنّه قد ولد لنا صبيّ وابنًا أعطينا وهو الذي رئاسته على عاتقه، وسلامه ليس له حد، معين عجيب، هو حاضر معنا وآت من أجل الكلّ ونحن نحيا بنور كلمته وفرح محبته ورعايته بنا، أمّا الظلمة والخوف والآلام والضيق فتغيب من قلوب الذي يتمسكون به.