تقيم الكنيسة اليوم ذكرى لهامتي الرسل بطرس وبولس، وغدا في الثلاثين من حزيران تقيم ذكرى للرسل الاثني عشر جميعا. ما أود ان ألفتكم اليه هو ان الرسل، فيما كان السيد معهم، كانت مهمتهم ان يشفوا المرضى ويطّهروا البرص ويقيموا الموتى. وهبهم يسوع قوته هو في إعادة العالم الى العافية، عافية الجسد وعافية النفس. اما عافية النفس فبقيت مهمتهم الأولى من بعد القيامة، وقد أُعطيت للناس بالإنجيل. الإنجيل عافية النفس.
من بعد العنصرة، وقد استمدوا فيها قوة من العلاء، أخذوا يبشّرون في بلدهم أولا، ثم انطلقوا الى العالم. وقد خصص البعض لبشارة اليهود وبعض آخر لبشارة الوثنيين. سِيَر الرسل تدل على انتشارهم في الكون حاملين الإنجيل والدعوة الجديدة ان “الله هكذا أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 16).
نعلم ان معظمهم مات استشهادا، وكلهم ماتوا بعد ان اعترفوا بالمخلّص ربّا فاديا، مصدر حياة لهم وللمؤمنين وللكل. تذكرون ان السيد أخذهم من حول بحيرة طبريا صيادين للسمك وجعلهم صيادين للناس.
علّمهم بالقدوة وقد مارسوها طاعة وحبا طوال ثلاث سنوات، وهو معهم ينقح جهدهم ويوطد إيمانهم. كان ضعيفا في أعين الناس، وبقي ضعيفا الى عشية القيامة، ولكنه أحبّهم فصبر عليهم وفتح قلوبهم ليتقبلوا الروح القدس. ولما جاء الروح وطهّرهم فهموا الكلمات التي كان ينطق بها السيد، فأحبوه وأطاعوه حتى الموت. والفهم فيهم كان من الروح وما كان من العلم، كان من روح القداسة الذي جعله الابن الحبيب في نفوسهم.
غير انهم، بعد ان أحبوا المسيح حيّا قائما من بين الأموات، فعالا في قلوبهم وفي قلوب أتباعهم، بعد أن أحسّوه كذلك، ترجموه أناجيل، وترجموه عملاً، وترجموه موت استشهاد. وارتضوا، كما قال بولس، ان يكونوا أقذارا في هذا العالم يحتقرهم الناس ويقمعهم الناس لأنهم جاؤوا برسالة حب، والناس لا يريدون الحب. الناس يريدون الموت وان يقتتلوا، وان يتسلطوا، وان يقمعوا، وان يشتهوا، وان يعبّوا من الدنيا، وان يستعبدوا لها ولسلاطينها. الرسل أتوا برسالة وداعة ولطف وعطاء وأخوّة عالمية لا تعرف الحدود.
ما كان المسيحيون الأولون يقولون “أنت من حي وانا من حي”، و”أنت من ضيعة وانا من ضيعة”، و”انت ابن فلان وانا ابن فلان”. الأسماء والأُسَر والنفوذ والتحزبات كلها تفرّق الناس. كانوا اذا التقوا يقولون “يا إخوة” ويحسّون كذلك. وكان الناس يقولون عنهم: “انظروا كيف يحبون بعضهم بعضا”. وما كان أحد يقول عن ماله انه له، ولكن كان كل شيء بينهم مشتركا. لذلك كانوا يبيعون كل ما يملكونه ويطرحونه عند أقدام الرسل، والرسل كانوا يوزّعونه على المحتاجين في ما بينهم. وكان المحتاج سيد القوم، وكان الضعيف سيد القوم، وكان الأُمّيّ سيد القوم.
القوة التي من العالم، قوة المال وقوة السلطة وقوة الشهوة، هذه كانت مطروحة تحت أقدامهم. كانت لهم قوة المحبة، وبها غلبوا العالم. لذلك عندما نقرأ في دستور الإيمان: “أومن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية”، عندما نقول “رسولية”، فنحن ندل على شيئين: ندل على ان لنا إيمان الرسل حسب ما نقرأ في أعمال الرسل: “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل”. هناك إيمان إنجيليّ صادق لا تحريف فيه ولا بدعة. هذا استلمناه ونحن عليه قائمون. اما المعنى الثاني لعبارة الكنيسة الرسولية، فهو ان لنا سلوكا رسوليا، اي اننا لسنا من الأمم الوثنية. وعندما نقول اننا مسيحيون، نحن لا نعني حزب المسيحيين، نحن نعني الذين أحبوا يسوع المسيح بسلوك طاهر ومحبة للكل، لأهل هذا الحي ولأهل ذاك الحي.
فيما نقيم عيد هامتي الرسل، فلنشهد على اننا جماعة رسولية ليس لها على الناس حق إلا أن تحب. حقها ان تحب وواجبها ان تحب، أأحبّها الناس أَم لم يحبّوها. على هذا الإيمان وعلى هذه الشهادة نسير.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 26، الأحد 29 حزيران 2014