اليوم احتشد الجميع ليروا يسوع الذي أقام لعازر من بين الأموات. كانت المؤامرة قد حيكت على المعلّم لأن اليهود لم يطيقوا أن يقال بأن يسوع أقام شخصًـا من الموت، ولم يتحمّلوا أن يظهر المعلّم الجديد بقوة. ولكنه هو أراد أن يكمل طريقه، وطريقه كانت إلى الموت، إذ كان لا بد له أن يُذبح من أجل خطايانا ومن أجل محبتنا، وقد قادته محبته هذه إلى التضحية الكبرى. عاش يسوع أجمل قصة حب لأن حبه كان طاهرا بالكلية وكان كبيرا ولا يطلب ما لنفسه بل يطلب ما للآخرين. يسوع هو الإنسان الوحيد الذي عاش من أجل الآخرين في حين أن كلا منّا يعيش من أجل شهوة لنفسه صغيرة أم كبيرة.
دخل إلى أورشليم قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها إذ كان لا بد أن يُقتَلَ في قلب بلاده. كان لا بد له أن يذبحه “الأتقياء” أو المعتبرون كذلك، لأن المأساة أن يسوع قتله الناموس، قتلته شريعة موسى، أو قتله غيورون على الشريعة لأنهم حسبوه انه نقض السبت ولم يحافظ على الطرق التي اصطنعوها لأنفسهم ليُظهروا تمسكهم بيهوديتهم.
يسوع حُرّضَ عليه عند مطلع حياته التبشيرية، في مستهل السنوات الثلاث التي قضاها بين الناس. حُرّض عليه لأنه شفى يابس اليد في يوم سبت. ابتدأت المؤامرة لكونه أحبّ ولكون الناس لا يحبّون. لم يقبلوا أن يظهر في ما بينهم إنسان يحبّ حتى النهاية ولا يكون فيه غش ولا خداع ويكون كله صفاء من أجل الله والآخرين. يسوع كان عارفا بأن المكيدة التي دُبّرت طيلة أعوام ثلاثة كان لا بد لها أن تنفّذ في أورشليم. وجاء من الجليل إلى اليهودية مارّا ببيت عنيا حيث أقام صديقه لعازر، مُظهرا بذلك انه يستطيع هو أن يقوم. دشّن قيامته بأعجوبة أمس فرسم للعالم انه سيقوم. رسم للناس انهم سيقومون جميعا، وليس فقط في اليوم الأخير، لأنه قال لمرتا عندما أكّدت له أن أخاها سيقوم في اليوم الأخير، انه لا يتكلم عن يوم الدينونة، إنما عن قيامة حاصلة: “أنا القيامة والحياة، من آمن بي، وإن مات، يحيا” (يوحنا 11: 25).
ولكنه كان لا بد له أن يموت قبل ذلك لان الحب يُميت. كان لا بد له أن ينزل إلى قاع الموت، إلى أسفل دركات الموت. كان لا بد له أن يذوق الموت حبا بالمائتين حتى لا يموت أحد في ما بعد بل نحيا جميعنا في إيماننا به ومحبتنا له، وله وحده. وإذ ذاك يقوم كلٌّ منا من خطيئته، ويقوم من كبوته، ويقوم من موته.
كان يستطيع أن يدخل إلى أورشليم راكبا على حصان كالملوك والعظماء، ولكنه قال في الإنجيل: “إن الذين يُحسبون رؤساء الأُمم يسودونهم، وعظماءهم يتسلطون عليهم، أما أنتم فلا يكون فيكم هكذا. ولكن من أراد أن يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما، ومن أراد أن يكون فيكم أوّل فليكن للجميع عبدا” (مرقس ١٠: ٤٢-٤٤). أراد يسوع أن يصبح خادما وهو ملك الملوك ورب السماء والأرض. ركب على جحش ودخل دخول المتواضعين إلى مدينة الكبرياء. لامس بهيمة لكي يُعتقنا من البهيمية. مسّ حيوانا لكي لا يبقى شيء من الحيوانية في إنسان. ودخل المدينة بعد أن حيّاه بعض الصغار وبعض من أصدقائه المُخلصين. كان يعلم أن بقية الشعب سوف تُشترى، وسوف تُرشى، وسوف تنادي بقتله. دخل والصبية فرحون لكونهم أنقياء، ولكن رؤساء الشعب كانوا يريدون تنفيذ المكيدة. دخل إلى الهيكل، هيكل أبيه، إلى قلب أورشليم، وهناك رأى الصيارفة وباعة الحمام الذين يتاجرون بالدِّين، وطهّر الهيكل منهم. فيما ندخل في الأسبوع العظيم، فلنذكُر أن السيد لامسَ حمارا صغيرا لكي لا يبقى أثر من الحيوانية فينا، لكي تُمحى الخطيئة ونصبح أنقياء. وإذا سرنا على هذه الطريقة، فإننا بلا ريب واصلون إليه. وان لم نسِرْ، فليس لنا عيد حقيقي. تبقى لنا بهجة وثنيّة.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 15، الأحد 13 نيسان 2014