نعم، يا الله. لماذا كلّ هذه الآلام؟! لماذا؟ ما هو معنى الحياة؟
كم من الناس يعيشون في الخوف، في القلق، في الحزن، في الكآبة، في الموت! ما معنى الوجود، ولماذا الحياة؟
أسئلة كثيرة. أكثرها يبقى سرّاً e. هل هي مجرّد فلسفة أم هناك مسائل وجوديّة؟ قال أحد الآباء: هدف الحياة هو أن نُحبّ. “أُحبُّ إذاً أنا موجود”. هذا هو هدف الحياة المسيحيَّة.
لكن، لماذا قال أحدٌ آخر: لم يأتِ المسيح لكي يؤسِّس ديانةً جديدةً ومجتَمعاً جديداً. لقد أتى لكي يحرِّرَنا من الموت. أتى لكي يمنحنا الحياة.
“أتيتُ لتكون لهم حياة ولتكون لهم أفضل” (يوحنا 10: 10). الموت والحياة، هذا التناقض الغريب!. كذلك، الألم والفرح. عندها صار بإمكان العذاب أن يقود إلى الحبّ، والعكس ممكن أيضًا.
* * *
معنى الحياة إذاً هو المحبّة، أمّا هدف الحياة فهو القداسة، التَّشبُّه بالله القدُّوس وحده. يحصل ذلك بالمسيح، بالصَّلاة إليه، باكتساب الرُّوح القدس. عن طريق النِّعمة الإلهيَّة يكتسب الإنسان صفات الله: الحنان كلّه، المحبّة والرحمة، هذه هي القوى الإلهية غير المخلوقة . نشارك بها الله، وبها نشارك الآخرين. الفردانيّة تقودنا إلى الضَّجر، إلى العُزلة والانتحار، إلى الموت. لم يُخْلَقِ الإنسان ليعيش وحيداً. هو متوحِّدٌ في الله، لكنَّه مشارِكٌ لأخيه في المحبّة، في بذل الذات. يقول أحدهم “أعطِ دماً وخذْ روحاً”.
* * *
الإنسان اليوم يفتّش عن اللَّذَّة، أن يستهلِكَ ما هو طيّب، أن يُشْبِعَ شهواته ويستهلِكَ حتَّى جسدَه. حبَّذا، كما يقول السُّلَّميُّ، لو يستبدِل شهوات الجسد بشهوات روحيّة. لكن، هذا يتطلَّبُ منه أن يخرج من ذاته، أن يشعر مع القريب ويقاسمه أتعابه.
هناك أناس، بخاصَّة الشباب منهم، يتواصَلون على الـ مع أصحابهم حتى أقاصي المسكونة ولا يتواصلون مع قريبهم وجهاً إلى وجه. هذا تيّار انعزاليّ، شيطانيّ، لا ينتُجُ عنه إلاّ الويلات من كآبة، من طلاق وإجهاض وانتحار…
باطِلٌ مثلُ هذا العالم “باطِلُ الأباطيل، كلّ شيء باطِل” يقول سفر الجامعة (1: 2). هذا العالم يفصلنا عن الله منبع الحياة. فلنَعُدْ، إذاً، إليه تائبين، نكتشف حينئذٍ معنى الحياة الحقيقيّ.
عن “الكرمة”، العدد 44، الأحد 28 تشرين الأول 2012