يشرح الكاتب الروسي فلاديمير سولوفييف (١٨٥٣-١٩٠٠) سر الكنيسة في قصة له عن صياد ضلّ الطريق في غابة كثيفة. وبينما هو جالس إلى جذع شجرة يفكر في أمره، اذا بعجوز تمرّ به وقد أَنهكها الإعياء والجوع، وتُحدّثه عن مأوى أمين في قلب الغابة يمكنه أن يقضي الليل فيه ثم يتبيّن طريقه متى طلع الفجر.
نظر الشاب إلى العجوز فرآها ترتدي ثوبًا منسوجا من مادة نفيسة تُزركشه خيوط الفضة والذهب ولكنه بالٍ وممزق وملطّخ. عرضت العجوز على الصياد أن تقوده إلى المأوى الأمين شرط ان يحملها عبر نهر قريب من هناك.
لم يصدّق صاحبنا ما قالته العجوز، لكنه كان طيب القلب، وإذ رآها تقع من شدة الضعف، حملها على كتفيه فبدت له ثقيلة كأنها كيس ملح، وكاد يرزح تحت العبء. لكنه واصل السير في الماء حتى بدأ حمله يخفّ خطوة خطوة. ووصل بالعجوز إلى الضفة المقابلة. ولم يكد يلقيها على اليابسة حتى تحولت إلى صبية حسناء متلألئة بالحجارة الكريمة والحُليّ. ثم قادت الصبية الشاب إلى قصر يفيض بكنوز لم ترَ عيناه مثلها من قبل، ولم يكن قد خطر على باله مقدار بهائها. فنسي الغاب ومشقاته وبيته وأهله ولبث في القصر لا يغادره.
ثم قال سولوفييف لسامعيه: الكنيسة تبدو لنا كالعجوز في قصتنا ونحن تائهون في غابة أعمالنا، في سراديب نفوسنا. ما من شيء في مظهرها الخارجي يُغرينا. انها مثقلة بما نحسبه لأول وهلة تقاليد جوفاء لا معنى لها ولا علاقة لها بحياتنا اليومية. ولكننا إنْ تركْنا قلوبنا تتكلم، وقبلنا عبء الالتصاق بها عبر نهر الحياة الجارف، يتحوّل قُبحها بهاءً وفقرها غنى وإعياؤها بلسمًا شافيا. المهم أن نحمل نيرها علينا ونُقبل لنتعلم منها لأن نيرها هيّن وحملها خفيف. انها تتحول إلى ملكة مزيّنة ببهاء السيد الذي لا يوصف، تُعلمنا كيف نرفعها في قلوبنا إلى فوق فنحملها عبر كثافة التاريخ لتتقدس وتُشفى عند عرش سيد التاريخ ويزول غبار حمأة أعمالنا عن ثيابها. إذ ذاك نُحمل في شركتها إلى ما لم تره عين ولم تسمع به اذن (١كورنثوس ٢: ٩) ونمكث في بيت الآب نمسح ماء الذهب عن محياها.
عن “رعيّتي”، العدد 40، الأحد 4 تشرين الأوّل 2015