لا شكَّ أنَّ تناول الأدوية لا يؤدِّي إلى معافاةٍ كامِلَةٍ للنَّفس. هناك تآزُرٌ، كما قلنا سابقاً، بين الطِّبِّ البشريِّ العلميِّ والمساعَدة الروحيَّة.
عدمُ إدراكِ الطِّبِّ لدور نعمة الله هو الحلقة المفقودَة عندَه والَّتي على الكنيسة ملء فراغها.
إذا لعبتِ الكنيسةُ هذا الدَّور ستجدُ لها مكاناً كبيراً في المجتمع المعاصِر، لأنَّها تكون قد لَمَسَت “جُرْحَ الإنسان” الأكثَر إيلاماً في هذا العصر. وعندما يشعر النَّاس المتألِّمون بمساعدة الكنيسة لهم في هذا المجال سيأتون إليها شاكِرين.
لا شكَّ، أيضًا، أنَّه في حالة الحزن يساعِدُكَ العمل، البستان، النباتات، الأزهار، الأشجار والريف، المشي في الهواء الطَّلْق…، كذلك، الاهتمام بالفنّ والموسيقى…، ولكن نعطي الأهمِّيَّة الكبرى للاهتمام بالكنيسة ومطالعة الكتاب المقدّس وحضور الصَّلوات ومطالعة الكتب الروحيَّة.
* * *
ممَّا يساهِمُ بشكلٍ فعَّالٍ في العلاج هو مِثَالُنَا الصَّالِح ومحبَّتنا ووداعتنا.
المحبّةُ هي فوق كلّ شيء. العلاج الأهمُّ لحالات الاكتئاب هو “المحبَّة”. المحبّةُ هي كورتيزون cortisone)) الاكتئاب واليأس. تبعثُ الحياة من جديد في نفس الإنسان المريض، بدونها يبقى العلاج ناقصًا ولا يتمّ بناءُ النَّفس أو ترميمها
* دور الكنيسة في علاج مرض النفس:
رسالة الكنيسة من خلال الكهنة والآباء الروحيِّين هي مساهمتها في معالجة مرض الشَّخصيَّة البشريَّة. عمليّة الشِّفاء لا بدَّ أن تعبر مرحلة تطهير القلب (purification). والاعتراف مع الإرشاد الروحيّ يساعدان على تحوّل الإنسان (والمجتمع) من الأنانيَّة والفرديّة (individualisme) المرتَكِزَة على الأنا إلى المحبّة اللاأنانية الَّتي لا تطلب شيئاً لذاتها. هذا يحصل اللهم إذا كان الكهنة (الأطباء الروحيّون) قد سبقوا “وشُفُوا هم أنفسهم” من الأنانيّة.
مهمّة الكنيسة الرئيسيَّة هي معالجة وشفاء مرض النَّفس البشريّة في المسيح. هذا الَّذي يحصل عن طريق التَّطهُّر من الأهواء والشَّهوات. العلاجُ من المرض النَّفسيِّ يبدأُ بتطهير القلب من الأفكار كلّها وحصرها في العقل، هكذا يتحرّر الإنسان من عبوديّة المحيط، وذلك يتمّ عن طريق الصَّلاة المستمرّة، صلاةِ يسوع، المعروفة بالصَّلاة القلبيّة، تحت إرشادِ أبٍ روحيٍّ مختَبَر
هذا ما يسمِّيه الرَّسول بولس بـ”خِتان القلب بالرُّوح” (رو 2: 29).
عندها، يكون القلب مأخوذاً بالصَّلاة بينما يستمرّ العقل في الاهتمام بنشاطاته اليوميَّة الطبيعيَّة.
هكذا يتحرّر الإنسان من السَّعي إلى السَّعادة الفارِغَة المركَّزَة على الأنا، دون أن يوقف نشاطَه العمليّ.
هذا السعي كلّه، أيّها الأحبّاء، ليقنعكم أن لا تستغنوا عن الكنيسة، كما يحاول العدوّ أن يفعل بكم، عن طريق وسائل اللهو التكنولوجي الحديث أو حتَّى عن طريق القَنَاعات العلميَّة المحدودة. التجئوا إلى كهنة آباء روحيِّين “طاهِرِين مستنِيرين متجرِّدِين”، إلى جانب أطبَّاء النَّفس والأدوية. أعني إلتجِئُوا، خصوصاً، إلى المسيح تجدوا راحة لنفوسكم وخلاصًا.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 20، الأحد 13 أيار 2012