يقول النبي إشعيا: “ألَيس هذا الصوم الذي آثرتُه حلَّ قيودِ النّفاق وفكَّ رُبُطِ النّير وإطلاقَ المضغوطين أحراراً؟ أليس هو أن تكسر للجائع خبزَك وأن تُدخل البائسين المطرودين بيتَك، وإذا رأيتَ العريان أن تكسوَه، وأن لا تَتغاضى عن قريبِكَ البائس؟” (أشعيا 58: 6-7).
يشبّه القديس باسيليوس الصومَ بنَسرٍ لا يستطيع أن يحلّق في الفضاء إلاّ بجناحين: الصلاة وعمل الإحسان. ومن جهة أخرى الصوم الحقيقيّ الكامل لا يقتصر على الاِمتناع عن بعض الأطعمة، بل هو أن يمتنع الإنسان عن كلّ ما لا يُرضي الله، الامتناع عن كلّ شرّ. هو صورة عن الموت من أجل المسيح.
الصوم يقرّب الإنسان من الله، يهيِّئُ المؤمنَ الممارِسَ ليقتبلَ العيد بفرح، لأنّ جسده ونفسه يكونان قد تطهرّا من كلّ الرذائل، فأضحَيا جاهزَين للفرحِ بِحُضورِ الربِّ يومَ العيد.
يقول القديس سمعان اللاهوتيّ الحديث “كما أن الشمس تخفِّفُ وتُزيلُ الضباب شيئاً فشيئاً، هكذا الصوم يُقصي ويزيل غشاوةَ النفس”.
* * *
من جهة أخرى يقول السيّد نفسه: “هذا الجنس (الشرّير) لا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم” (متى 17: 21). ويذكر القدّيس أثناسيوس الكبير “كلّ من يتألم من روح شرير دنس إن استخدم دواءَ الصوم في الحال يتوارى الروح الخبيث عنه مخذولاً خائفاً من الصوم”.. لأنّ الشيطان يجاهد أوّلاً في أن يبطل دوامَ اليقظة في القلب .
الصوم مع الدموع والهدوء يقود إلى طهارة النفس ومنها إلى الإستنارة والقداسة. يقول القديس اسحق: “لتكن أسلحتك الدموع والصوم. عندما يكون بطنك مليئاً لا تحاول استقصاء المعاني الإلهيّة……. إنّ معرفة أسرار الله لا تُدرَكُ عندما يكون البطن مليئاً”
* * *
نحن اليوم في زمن صوم الميلاد الأربعينيّ. هو يهيّئنا لكي يولد يسوع فينا، لكي يولد أيضًا في هذا العالم الحاضر ويبدّد ظلمته. قلّة من المسيحيين اليوم هم الذين يستخدمون دواءَ الصوم لتحريرهم من قيود الاستهلاك الطعاميّ والماديّ.
الصوم فرح وحرّية، فرحٌ بالربّ وتحرّر من شهوة الجسد.
الحضارة الحالية تركّز على الجسد ونعلم أنّ الرفاهيّة الزائدة تقود إلى الفساد والخلاعة، تُظلم النفسَ وتُبعدُ الإنسانَ عن الله.
غاية الصوم هي الاتّحادُ بالله. نحن نمتنع عن أشياء كثيرة من هذه الدنيا عشقاً بالله. ومحبّة الله المتجسّد فقيراً تدفعنا لكي نُصبح بدورنا قريبين من الآخرين أخوتِه الصغار. نحن في حالة انتظار دائم له:
الربّ يسوع أتى وهو الآتي.
في صوم الميلاد نعلن أننا قابلون ميلاده المجيد نوراً يضيء قلوبنا ويضيء قلب كلّ انسان يعيش في مغارة هذا العالم المظلمة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما