في نص الرسالة المحدد لنا اليوم، يتوجّه الرسول بولس إلى أهل كولوسي بقوله: ان حياتكم مستترة مع المسيح في الله… متى ظهر المسيح الذي هو حياتنا، فأنتم أيضا تظهرون حينئذ معه في المجد.
المسيح هو حياتنا أي ان كل خير هو فيه وكل حق هو منه. هذه عبارة يجب ان تؤخذ بمعناها الحرفي. انه كلام يقال بين العاشقين: «أنت حياتي»، أي انني بلا وجود بدون هذا اللقاء الدائم بيننا. هكذا نحن يقول بولس، فإننا بلا وجود إن لم نتحوّل باستمرار الى وجه المسيح الذي هو حياتنا. بولس طبعا واقعي وهو يعرف ان الانسان يقع في الخطيئة باستمرار. ولكن من كان في المسيح، يقول بولس، هذا يلفظ الخطيئة كما أن الجسم الصحيح يلفظ جسما غريبا اذا أُدخل فيه. عندما تجرى عملية جراحية تستوجب زرع عضو جديد، يبقى المريض في خطرِ أنْ يلفظ جسمُه العضوَ الغريب إلى ان يلبس العضوُ الغريب خصائص الجسم الصحيح فيتعافى المريض. بهذا المعنى بالضبط يتكلم بولس الرسول عندما يقول: «البسوا الانسان الجديد». البسوا الانسان الجديد المعافى بالمسيح يسوع، وعندئذ تلفظون كل مرض فيكم. أي ان الانسان المسيحي قد يرتكب الخطايا، ولكنه اذا كان في المسيح يسوع حقا، يَدخُل نور المسيح إلى ثنايا نفسه المظلمة ويريه بشاعة ما هو فيه. المسيح فيه يقوده إلى ان «يلفظ» الخطيئة التي فيه اي ان يُلملم ذاته وينقّيها ويحنّ إلى الانسان الجديد المعافى الذي صار اليه بالمعمودية.
هذا الانسان الجديد، يواصل بولس، الذي غُرس فينا بالمعمودية، «يتجدد للمعرفة على صورة خالقه». هذا التوق الدائم إلى المسيح الذي غُرس فينا بالمعمودية، يتجدد وينمو باستمرار. يتجدد على صورة خالقه أي انه يصير مثل الله. هذه هي المسيحية: الانسان ممدود من الأرض الى السماء. لا حدود أمام الانسان المسيحي، لا سقف فوق رأسه. انه ينطح السماء، لا يريد شيئا أقل من السماء. المسيحي حقا يسعى ليصبح إلها. انه يتجدد على صورة الخالق. أي اذا ما كان وجه المؤمن إلى ربه باستمرار، اذا ما سمّر أنظاره اليه رغم ضعفاته وخطيئته، فهو لا بد وأن يتحوّل إلى بهاء وجه المسيح.
ثم يذهب بولس أبعد من ذلك اذ يواصل قائلا اننا اذا كنّا على هذه المحبة للمسيح، على هذا الشوق الدائم اليه، «فليس يهودي ولا يوناني»، أي ليس من سياج قائم بين الناس وليست من عداوة. ثم «لا عبد ولا حر». لماذا يستعبد الناسُ بعضهم بعضا؟ لماذا الظلم والاستبداد؟ لماذا يحتقر الناس بعضهم بعضا؟ لأنهم عبيد للخليقة، خارج شركة محبة المسيح. لا يمكن ان نطلب إلى انسان ان يعفّ عن الخطيئة وعن الطمع الذي هو عبادة وثن الا اذا صار حرا بالمسيح. هكذا يؤكد لنا الكتاب الإلهي، وإلى هذا تدعونا الكنيسة اذ تسير بنا لنستقبل العيد الآتي علينا بالبركات.
تدعونا الكنيسة إلى ان نحاول ان نكون أناسا يريدون إبادة الخطيئة فيهم: الطمع، النجاسة، الشهوة على أنواعها. تدعونا الكنيسة اليوم من العبودية إلى الحرية التي لنا في المسيح يسوع. انها تقول لنا ان المولود الإلهي يعطى لنا من جديد في الميلاد لنعترف أمامه، لنقرّ أمام نوره اننا ضعاف، وبأننا نريده إزاء هذا الضعف الذي فينا قوة لنا وحياة.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 50، الأحد 14 كانون الأول 2014