مصدر النور هو الله. يقول الربّ يسوع المسيح الإله – الإنسان:
“أنا نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نورُ الحياة” (يوحنا 8: 12).
الإنسان المستَنير بنورِ الله يصبح بدوره نورًا للعالم، كما أنَّ نور القمر يأتي من الشمس. يعلِّمنا آباؤنا القدّيسون أنَّ الإنسان يستنير بعد أن يُطَهَّر من أدران الخطيئة. لذا، بعد المعموديّة المقدّسة، ندعو الطفل بـ”المستنير جديدًا”، إذ إنَّ المعموديَّة تُدْخِلُ نورَ الله ليسكن ويستقرَّ في قلب الإنسان.
* * *
تأتي الاستنارة، أيضًا، من الإيمان، “والإيمان ليس للجميع” كما يقول الرسول بولس (2 تسالونيكي 3: 2). الإيمانُ شرارةٌ روحيَّة تلمَعُ في الدماغ (étincelle spirituelle) كما يقول القدّيس مكسيموس المعترف.
صحيح أنَّنا نتربَّى على إيمان ذوينا، لكنَّ الإيمان يبقى “الثّقة بما يُرجى والإيقان بالأمور التي لا تُرى” (عبرانيين 11: 1) . الإيمان هو النَّظر إلى البعيد،
كالنظّارتين الّلتين تساعداننا على الرؤية البعيدة حيث أن العينين الطبيعيّتين وحدهما لا تكفيان.
كيف يستنير الإنسان بكلام الله؟ يبدأ الجهاد بغصب النَّفس في الصَّلاة ، في المطالعة وفي العمل أيضًا. يقول القدّيس يوحنا السلّمي:”إجتهِدْ أن تحبس فكرك في كلمات الصلاة”. عندها، تبدأ النِّعمة الإلهيَّة تتحرَّك وهي الكامِنَة في عمق النَّفس، إذ إنَّ كلمات الصَّلاة، أو كلام الله، تنزل من العقل إلى القلب. فإذا ثَبَتَ الإنسان في جهاده تصعدُ النِّعمة إلى كلّ أعضاء الإنسان حتى أطراف الحواسّ، كما يقول القدّيس ذياذوخس فوتيكي، فيُضْحِي الإنسانُ كلّه ممتلئًا من الرُّوح، وهكذا يستنيرُ الكيانُ كلّه، إلى حدّ أنَّ الفكر يصبح فكرَ المسيح والنَّظَرات نظرات المسيح والسَّمع سمعَ المسيح… هذا ما يحصل عند تناول جسد المسيح ودمه، كما يوضح القدّيس باسيليوس الكبير.
* * *
عسانا، بتسليم ذواتنا إلى الإيمان بيسوع المسيح إلهنا، وبجهادنا في الصَّلاة والعمل، نستنيرَ بنور الله ونصبحَ هكذا نورًا لهذا العالم. آمين.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد29، الأحد 17 تموز 2011