الإنسانُ الحديثُ يَعْتَبِرُ الموتَ مجرّد قضيَّة بيولوجيَّة، لا يصدِّقُ قولَ الرَّسول بولس: “أنَّ الموتَ قد ابتُلِعَ إلى غلبَة” بقيامة ربِّنا يسوعَ المسيح. حجّةُ ذلك الإنسان إدِّعاؤه أنَّ موتَ المسيح على الصَّعيد البيولوجيِّ لم يغيِّر شيئاً بالنسبة للموت.
لذا، يتساءل الكثيرون: لقد أتى المسيح لكي يقضي على الموت (بموته وقيامته)، ومع ذلك بقي الإنسان يموت كالسابِق؟!
نعم، إنَّ المسيحَ، بموتِه وقيامتِه، لم يُلْغِ الموتَ الجسدي. بقيَ انحلالُ الجسدِ البشريِّ الحقيقةَ الواقعيَّة الكُبرى في هذه الحياة. لا يستطيع أحدٌ، مهما عَظُمَ شأنُه، أن يتجنَّبَها. الإنجيلُ المسيحي لا ينطبِقُ على الموت كما يفهمُه الإنسانُ المعاصر. لذا، يَدَعُ هذا الأخير الكتابَ المقدَّس جانِباً ويعيشُ بدون الله: هذه هي الحضارة الحديثة الدَّهريَّة العلمانيَّة.
* * *
الموتُ البيولوجيُّ أو الجسديُّ ليس هو الموتَ كلَّه ولا هو جوهرُه. بموجَبِ الرؤيا المسيحيَّة، الموتُ هو قبل كلّ شيء حقيقة روحيَّة يمكن أنْ تُعاشَ ونحن أحياء، ويمكن أن نتحرَّرَ منها ونحن في القبر. بحسبِ هذا المفهوم، الموتُ الروحيُّ هو الانفصال عن الحياة، عن الله الذي هو وحده معطي الحياة. اذاً، مرّة أُخرى نقول:
الموتُ الحقيقيُّ ليس هو الموتَ البيولوجيَّ لكنَّه الحقيقةُ الروحيّةُ الَّتي شوكتُها هي الخطيئة (1 كور 15: 56).
الانقطاعُ عن الله يحوِّل حياةَ الإنسانِ إلى وَحْدَةٍ قتَّالَة، إلى عذابٍ وخوف. الاستعبادُ لشهواتِنا يوقِعُنا في الفراغ.
لقد أتى المسيحُ لكي ينقذَنا من هذا الموتِ الروحيِّ ويعيدَ لنا الحياةَ الأزليَّةَ ولو رَقَدَ الجسدُ وتفكَّك.
شوكةُ الموتِ الروحيِّ تكمُنُ في أنَّ الإنسانَ قد أحبَّ نفسَه أكثرَ من محبَّتِه لله. من هنا يأتي العلاج في الحياة في المسيح. لا موتَ لنا إذا كنَّا ممتلئين من محبّةِ اللهِ ومطيعينَ لأوامرِه. نأتي هكذا إلى الشعارِ الرهبانيِّ المعروف:
“إنْ كنتَ تموتُ (عن أنانيَّتِك) قبل أن تموت فلن تموت عندما تموت”.
موتُ المسيحِ على الصَّليبِ ليس فيه موت، إذ كان تعبيراً فائِقاً لمحبَّته، المحبَّة الفائِقَة، التي هي الحياة (اللاموت هو الحبّ).
* * *
في الخُلاصَة نقول إنَّ المسيحَ لم يأتِ ليُلغي الموتَ الجسديَّ، لقد أتى لينزع شوكةَ الخطيئة ويعطينا محبَّتَه، يعطينا حياتَه.
لقد جَعَلَ المسيحُ من الموت البيولوجيَّ مَعْبَراً (فِصْحاً) نحو حياةٍ أفضل ملؤها الشّركة والمحبّة.
يقول الرسول بولس: ” الحياةُ، لي، هي المسيح والموتُ هو ربحٌ” (فيلبي 1: 21).
بالنسبة لنا نحن المسيحيين المؤمنين العائشين في هذا العالم المائت، لم يعد هناك من موت: “لقد ابتُلِعَ الموتُ إلى غلبة” (1 كور 15: 54)، وكلُّ ضريحٍ لا يحوي الموتَ بل الحياة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما