“هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”
“مبارك الآتي باسم الربّ، الله الربّ ظهر لنا”، هذه هي الترنيمة في عيد الظهور. وهي تهلّلٌ بأمرَين: بظهور الله لنا، ولكن أيضاً بالآتي باسم الربّ؛ الإنسان- الإله؛ يسوع المسيح.
عيد الظهور،لم يظهر فيه الله للإنسان فقط، ولكن ظهر فيه “الإنسان” لله أيضاً. لقد ظهر الإنسان الذي به، بالنهاية، سُرَّ قلب الله. إنّه الابن والإنسان الحبيب الذي به ارتضى الله وسُرَّ.
لقد ظهر كيف تتحقّق مسرّة الله. لقد ظهرت الصورة التي يجب علينا أن نكون عليها ليسرّ الله بنا. لقد ظهر الإنسان: “هذا هو الإنسان”! لقد ظهر الإنسان الذي ينتظره الربّ، فمبارك الآتي باسم الربّ.
وأجمل نداء يوجهه الله الآب، إلى الإنسان الذي يرتضي به، كان: “ابني الحبيب”. فالله محبّة. والله لا يحبّ واحداً دون آخر، ولا يميّز في حبه شخصاً عن ســــواه. لكن الابن الحبيب من الآب هـــو بالذات الابن الذي يحبّ هذا الآب. إذن فرادة الصورة الإنسانيّة التي ظهرت وترضي القلب الإلهيّ أنّها ليست المثل لصورة الإنسان المحبوب من الآب السماويّ، فهذه صورة كلّ إنسان خلقه الله، بمقدار ما هي صورة الإنسان الذي يحبّ الآبَ السماويّ إلى النهاية، ويحبّه حتّى الموت، موت الصليب.
الله محبّة أزلياً وللجميع، فهو يُمطر على الأبرار والأشرار وهذا ظاهر منذ البداية. ولكن ما يجب أن يظهر هم المسيحيّون على صورة المسيح الذي يجيب على الحبّ الإلهيّ الأبويّ الكامل بالحبّ الإنسانـيّ البنويّ الكامل. الآب المحبّ ظاهر، والابن الإنسان الذي يمكن أن ُينادى من الآب بـ “ابني الحبيب” والمحبّ يجب أن يظهر.
عيد الظهور يظهر فيه الثالوث الأقدس كحياة الحبّ الإلهيّ، وتظهر مسرّة الآب بالأبناء المحبوبين له. إنّها صورة يسوع الذي أجاب على الحبّ الإلهيّ الكامل بالحبّ الإنسانـيّ الكامل. فالله لا يُسرّ إلى أن يعود الجميع ويحيون (معه). هذا هو الشوق الإلهيّ والرضوان.
وعبر العصور حاول الناس، مسيحيّين وغير مسيحيّين، أن يرضوا الله كلّ بحسب إيمانه. ولقد قدَّم الناس عموماً للآلهة تقدمات وعبادات في سبيل إرضائها، وذلك حسب فكرتهم عن هذه الآلهة. في الكتاب المقدس اشتهر آباء العهد القديم بحفظهم للوصايا حتّى الحرف، وقدّموا التقدمات والعبادة والمحرقات والذبائح علامة مصالحة مع الله واسترضاء له. لكن الأنبياء مرّات عديدة أعلوا الصوت أن الله لا يرضى بمحرقات ولا يُصالَح بتقدمات، التوبة هي المصالحة والذبيحة لله هي الروح المنسحق.
إنّ الله محبّة ويريد أولاده دائماً محبوبين، “أحباء”. العلاقة بيننا وبين الله لا يمكنها أن تكون الخوف ولا المصلحة بل المحبّة. “الله الربّ ظهر لنا” ولذلك ما ينتظر منّا هو أن نقابله المحبّة.
إن الأصوام والصلوات والإحسان والمساهمات ما كانت وكلّ ما نسميه فضائل مسيحيّة ليست بضروريّة لله، ولكنّها ضروريّة لنا، ليس لنقدّمها فدية أو كفّارة! حاشى، فالله ليس بالمحاسب ولا بالقاضي. الله هو الآب المحبّ. لذلك كلّ هذه الفضائل ضروريّة لنا كأدوات تجعل قلبنا يحبّ الله. الفضائل ممارسات ليس لها قيمة بذاتها وإنّما قيمتها بمقدار ما تجعل قلبنا القاسي ليِّناً وبمقدار ما تحوّل حبّنا من المتبدّلات إلى الواحد الذي الحاجة إليه وجه الآب السماويّ.
نصوم لنحبّ الله، نصلّي للأمر ذاته، نحسن لهذه الغاية… أيّة فضيلة لا تقود إلى زيادة حبّنا لله وعشق وجه ربّنا يسوع المسيح هي أتعاب دون ثمر.
الله يحبّ ويُراد أن يحبّ منّا وبهذا خلاصُنا. الله سُرّ لما استطاع أن ينادي ابنه الوحيد “بالحبيب” الذي به يسرّ. وينتظر أن ينادينا بالاسم ذاته. “الله الربّ ظهر في عيد الظهور كآب محبّ. ولنا في هذا العيد أن نصلّي بالمقابل لنكون أبناء له محبّين وبالتالي يليق بنا اسم “الحبيب” أيضاً، الذي نرجو أن يُسرّ به قلب الله الآب الأب. آميــن
المطران بولس (يازجي)