بعد قيامته من بين الأموات ظهر الرَّبُّ يسوع للتَّلاميذ في الجليل، كما سبق وأمرهم، فأعطاهم الوصيَّة التَّالِيَة:
“اِذْهَبُوا وتَلْمِذُوا كلَّ الأُمَمِ وعَمِّدُوهُم باسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ، وعَلِّمُوهُم أَنْ يَحْفَظُوا كلَّ ما أَوْصَيْتُكُم به، وها أنا مَعَكُم كلَّ الأيَّامِ إلى انْقَضَاءِ الدَّهْرِ” (متَّى 28: 19-20).
تذكَّرُوا، أيضًا، ما يَذْكُرُ الإنجيل أكثر من مرّة: “كان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى يعلِّم في مجامعها ويكرِزُ ببشارة الملكوت ويشفي كلّ مرض وكلّ ضَعْفٍ في الشَّعب” (متى 9: 35).
أخيرًا وليس آخِرًا، ظهر للتّلاميذ في عشيَّة أحد الفصح و”نفخ فيهم وقال لهم خذوا الرُّوح القُدُس من غَفَرْتُم خطاياه تُغفر له ومن أَمْسَكْتُم خطاياه أُمْسِكَت” (يوحنَّا 20: 22-23).
في هذه المقاطع الإنجيليَّة وغيرها، يَحُثُّ تلاميذه (ومنهم طبعًا الكهنة الرُّعاة) من خلال الاِقْتِدَاءِ به ومن خلال وصاياه على واجب التَّعليم والبِشَارة وممارسة سرّ الاِعتراف وغفران الخطايا وشفاء النَّفْسِ والجسد.
كذلك، نرى الرّسول بولس يتوجَّه إلى تلميذه تيموثاوس بقوله: “كُنْ قُدْوَةً للمؤمنين”، وأيضًا “اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ… لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ”(1 تيموثاوس 4: 11 و12 و13 و16)، ممّا ينتج على أنَّ الكاهن عليه أن يتعب على نفسه من أجل الوعظ والتَّعليم، وأيضًا من أجل شفاء نفسه ونفوس الآخَرِين.
طبعًا، كلّ واحد مِنَّا له مواهبه وضَعَفَاتِه. علينا، نحن الرُّعاة، أن نعرف ونعترف بضَعَفَاتِنَا حتَّى، على الأقلّ، نضبط الضَّعْفَ حتَّى لا يكون عَثَرَة. في الوقت نفسه، علينا أن نُنَمِّي مواهبنا في سبيل بنيان الكنيسة جسد المسيح. بهذه الطَّريقة تُسَاهِم الكنيسة، بواسطتنا، نحن الأطبَّاء الرُّوحيِّين، في رعاية النُّفوس وشفائها.
* * *
هنا، وأتوجَّه بخاصَّة إلى الرَّعاة الكهنة الأحبّاء، الكاهن الرَّاعي لا يُطَالِبُ بحقوقٍ، له فقط واجِبَات. يقول النَّبيّ حزقيال: “ويلٌ لرعاةٍ يَرْعُونَ أنفسهم… إنَّكُم تأكلون الألبان وتلبسون الصُّوف… لكنكم لا تَرْعون الخراف… الضِّعاف لم تُقَوُّوها، والمريضة لم تُدَاوُوها، والمكسورة لم تُجَبِّرُوهَا، والشَّارِدَة لم تَرُدُّوها، والضَّالَة لم تَبْحَثُوا عنها” (حزقيال 34).
في العهد الجديد، وبدقَّة، نلمس عمل الرَّاعي العميق، الأساسيّ، في اتِّباع مِثَال الرَّبّ يسوع الرَّاعي الصَّالِح وحده. يقول: “أنا هو الرَّاعي الصَّالِح، الرَّاعي الصَّالِح يَبْذُلُ نفسه عن الخراف”.
لقد مارس الرَّبُّ يسوع هذه الرِّعاية بموته على الصَّليب. يقول في سفر الرُّؤيا: “الحَمَلُ الَّذي في وسط العرش سَيَرْعَاهُم” (رؤيا 7: 17). “هوذا في وسط العرش حَمَلٌ قائم كأنَّه مذبوح… معروف سابقًا قبل تأسيس العالم” (رؤيا 5: 6 و1 بطرس 1: 20).
لقد مارس الرَّبُّ هذه الرِّعاية طيلة حياته على هذه الأرض بتضحيته، وهو يتألمَّ سرِّيًّا من أجل محبّة الإنسان وخلاصه منذ إِنْشَاء العالم وحتَّى إلى آخِر الدُّهور. هذا هو المَثَلُ الأَعْلَى للاِقْتِدَاءِ به.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 21، الأحد 25 أيَّار 2015