“أما تعلمون أنّ محبّة العالم عداوةٌ لله. فمن أراد أن يكون محبًّا للعالم فقد صار عدوّاً لله” (يعقوب 4: 4).
“لأن اهتمام الجسد هو موتٌ، هو عداوة لله” (رومية 8: 7).
“لا تحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.. لأن كلّ ما في العالم هو شهوة الجسد وشهوة العين وتعظّم المعيشة… والعالم يمضي وشهوته وأمّا الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد” (1 يوحنّا 2: 15-16-17).
من جهة أخرى يقول الإنجيليّ يوحنّا نفسه “هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة” (يوحنّا 3: 16).
هذا تعبير عن الحبّ الإلهيّ الذي يمتدّ إلى كلّ العالم “وضع نفسه وأطاع حتّى الموت موت الصليب” (فيليبي 2: 8) “لكي يخلّص العالم” (يوحنا 3: 17). الغاية من التجسّد، من الصليب، ليست “ليدين العالم بل ليخلّص به العالم” (يوحنا 3: 17).
يُلاحظ في ما سبق تناقضٌ ظاهريّ واضح بين وصيّة الربّ أن لا نحبّ العالم، لما فيه من فساد، وبين حثّه على محبّة هذا العالم الخاطئ. هذا لأن الربّ يسوع قد أحبّنا ونحن في خطيئتنا، في سقوطنا، في أنانيّتنا. نحن بدورنا، انطلاقاً من إيماننا به ومن رغبتنا بالتشبّه بمحبّته التي تفوق كلّ عقل، نحبّ الإنسان، كلّ إنسان، على الرغم من وسخه، دون أن نحبّ وسخه. هذا كلّه لكي، بمعونة الربّ وقوّته، نساعد قريبناللخروج من سقطته. نشير هنا إلى أنّ الإنسان المعمَّد يسكن الروح القدس في أعماق قلبه، واذا خطئ يقول القدّيس ذياذوخس فوتيكيس يظلم قلبه ولا يعود يعاين وجه الله. عند ذلك يجب عليه أن يُطهّر نفسه من الأهواء المعيبة، أن يتوب ويعترف بأخطائه. لذلك نحن لا نبقى على حبّنا له وإن كان خاطئاً وحتّى مجرماً، هذا على رجاء توبته وعودته إلى صفاء القلب.
******
اليوم ثمّة كثيرون متعلّقون بخبرات هذا الدهر. نقول إنّ روح العالم يسيطر عليهم وليس روح الله، هذا ما نسميّه الدهريّة أو العالميّة (محبّة العالم) sécularisme. هذا الدهر الخادع، هذه الروح الدهريّة اكتسحت الأديار أيضًا. ترى ما عكس الدهريّة؟ إنّها الأبديّة، أن يتعلّق الإنسان بما هو أبديّ، فما هو أبديّ لا ينتمي إلى الدنيا. السبيل إلى الخلاص هو، إذاً، أن يؤمن المرء بالربّ يسوع ويتشبّه به ويتبع وصاياه فيحصل على الحياة الأبديّة (راجع يوحنا 3: 16).
ولا ننسى “أنّ الإيمان بدون أعمال ميت “(يعقوب أخو الربّ 2: 17). في أيّامنا تكاثر الكلام والكتب والأحاديث الروحيّة وقلّ الإختبار لأنّ الناس تأثّروا بروح العالم.
يتجنب الإنسان اليوم الألم الجسديّ، يسعى وراء الراحة الجسديّة، يرتاح إلى القراءة الكثيرة والتطبيق القليل.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 51، الأحد 20 كانون الأوّل 2015