للمطران انطونيوس (الصوري)، متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس
جريدة “النهار”، 9 آذار 2019
في الكنيسة الارثوذكسية يوجد أصوام عديدة على مدار السنة تتخطى مدتها الخمس وستين بالمئة من عدد الأيام. وكأني بالكنيسة تقول بأن الصيام هو النظام الطبيعي في هذا العالم. ما هو المبدأ وراء هذا الأمر يا ترى، وما هي الغاية؟!. مع ذلك، يعتبر الصوم الكبير المقدس أهم الأصوام الكنسية، وهو مقسم الى ثلاث مراحل تُسمّى بزمن التريودي تتضمن مرحلة تحضيرية قبل بدء الصوم، ومرحلة ثانية تسمى بالصوم الأربعيني المقدس وصوم الأسبوع العظيم.
***
“هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ” (إنجيل متى ٩: ١٥). هكذا أجاب الرب يسوع المسيح تلاميذ يوحنا المعمدان عندما سألوه لماذا لا يصوم تلاميذه بينما تلاميذ المعمدان والفريسيين يصومون. من جواب الرب يسوع نستنتج أن الصوم هو حالة انتظار للعريس الإلهي (أي لمجيء الرب في اليوم الأخير)، فاعلة وفعّالة، أساسها التوبة والانسحاق امام الله في المسوح والدموع لطلب المغفرة وتنقية القلب بجهاد النفس في طاعة الكلمة وترويض الجسد للدخول في السلام مع الخليقة كلّها عبر الامتناع عن الزفرَين. إنّه نوع من عودة إلى حالة ما قبل السقوط حيث كان الإنسان يأكل البقول وثمار الشجر فقط في سعي بنعمة الله لتذوّق حالة الخلاص الآتي وحياة الملكوت المزمع أن يكون والذي هو حاضر في آن.
***
في العهد القديم، لما نادى يونان النبي على أهل نينوى منبئًا اياهم بالخراب إن لم يرجعوا عن طريقهم “آمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ …” (سفر يونان ٣: ٥)، ليعبّروا عن توبتهم ويطلبوا غفران الله وصفحه عنهم. من هنا، الصوم كان مرتبطًا بالتوبة ارتباطًا عضويّا، والتعبير عن التوبة مرتبط بالصيام ولبس المسوح والنوح تذليلًا للنفس أي لأجل جعلها تتضع استعطافًا لرحمة الله (راجع مثلا: سفر يهوديت 4: 8). هكذا كان يصنع الشعب في أزمنة الضيق ليعبّروا عن اتّكالهم على الرب ورجائهم بعونه ليغلبوا أعداءهم: “اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ يَسْتَجِيبُ لِصَلَوَاتِكُمْ إِنْ وَاظَبْتُمْ عَلَى الصُّوْمِ وَالصَّلَوَاتِ أَمَامَ الرَّبِّ” (سفر يهوديت 4: 12)، وهل من عدو للإنسان أكثر من الشيطان والخطيئة؟! …