حالتنا مع الرب اننا دائمًا معذبون وان الرب دائمًا يشفي. ليس لنا ان نتساءل لماذا نحن هكذا، لماذا نحن في الآلام، لماذا وُجدنا في الآلام. الوحي الإلهي لا يجيب عن هذا السؤال، لا يقول لأي سبب نحن مطروحون في الأوجاع، في أوجاع الجسد، في أوجاع الروح، في أوجاع الضمير. يكتفي الكتاب الإلهي بأن يلاحظ ذلك وينطلق منه ليكشف لنا كيف نستطيع أن نخرج من هذه الآلام او كيف نقدر ان نحتملها ونحوّلها الى طاقة إبداع وتقرّب من الله فنجعلها سُلّمًا نرتقي بها الى السماء.
عندنا في الكتاب الإلهي وعود بالشفاء وبالخلاص المؤكد من الخطيئة. وعندنا وعد بالفرح وكشف للحياة الأبدية التي تأتي عندما نتقبّل سرّ الله ونطيعه في كل ما نذوقه من مصائب الدنيا، في الروح كان أم في الجسد. عندما نكون في حال من هذه الأحوال، في عذاب كالذي كان فيه كل الذين طلبوا الشفاء من السيد، يكون لسان حالنا مثلهم : “يا رب ارحمني”.
“يا ابن داود ارحمني”. “يا رب ارحم ابني فأنه يتألم جدًا…” نلاحظ أن كلها كلمات استرحام وهذا أشمل من الشفاء. عندما نطلب الشفاء، أكثرنا يطلب شفاء الجسد، وهذا جيّد. لكننا لم نصل الى أن نتألم من تسرّب الخطيئة الينا فنطلب أن تُرفع عنا ونبقى للمسيح. ما هو موقفنا من المُصاب بعد ان نقع في الشر، بعد ان تجتاح الظلماتُ نفوسنا؟ أية صلاة نصلّي؟ هل نحن واثقون بأن الله نفسه ينحدر الينا اذا صلّينا؟ هل نعرف بأن الله يريد أن نحدثه؟ ان ندخل معه في حوار؟
الله قادر بالطبع أن يستجيب في كل حين، وهو مستجيب بالفعل اذا سألنا واذا لم نسأل لأنه يعرف حاجاتنا. ومع ذلك فالرب يفضّل أن نكلّمه لكي نتدرب على صداقته. انه يطلب منّا هذه الدالّة، دالّة البنين على أبيهم. وهذا ما نطلبه في القداس الإلهي قبل أن نتلو الصلاة الربيّة إذ نقول: “وأَهّلنا أيها السيد ان نجسر بدالة لندعوك أبًا”.
الله يريد أن يختلط بنا، أن يُعاشرنا لكي نعرف أننا ارتفعنا الى مصف الألوهة ولكي ندرك أن الله تنازل الى مصف البشر. واذا جاء الله الى نفوسنا كما هي، كما نعهدها، في ضعفها، في هَوانها، في قذارتها، اذا جاء الله الى هذه النفوس فهو شافيها.
ان مشكلة الانسان الحديث المعاصر هي انه يكتفي بذاته لأنه اصطنع دمى، أُلعوبات يلهو بها، وظن انه يكتفي بهذا لا سيما اذا كسب بعض المال وكفى نفسه شر العيش، فإنه ينغلق على نفسه ولا يسأل عن شيء. هذا هو شر الانسان في هذا الجيل الذي نحن فيه، ولهذا يقول الرب: “ايها الجيل الفاسد الشرير، الى متى أكون معكم، حتى متى أَحتملُكم” (متى ١٧: ١٧). عندما يغلق الانسان النوافذ بالكلية على نفسه، مع الوقت يموت لأنه لا يتنفّس. نحن متى اكتفينا بأُلعوباتٍ اصطنعناها واكتفينا بها نُغلق نافذة السماء علينا ونختنق. الانسان لا يختنق فقط من رئتيه ولكن عقله يتجمّد وقلبه يذبُل وضميره يسكع فيموت روحيا.
ما هي الصلاة إزاء هذا الوضع؟ الصلاة هي ان نفتح النوافذ متى أَحسسنا بالانغلاق، نفتح نوافذ القلب الى السماء فيأتي الله الى نفوسنا، وعند ذاك فقط نستطيع أن نعيش.
الصلاة تنفّس. اذا ما كنا متأكدين من هذا الأمر، نستطيع ان نتغلب على جميع تجارب الدنيا لأن أرواحنا تكون مليئة من هواء النعمة.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 4، الأحد 26 كانون الثاني 2014