الصداقة عند غير المؤمن هي أن يقبل كلّ شيء، يعمله صديقه. الصداقة ملحدة، مؤامرة على الحقّ بحيث يتحزّب الناس ويعطون دائمًا الحقّ لأصدقائهم. عندنا في يوحنّا مثلًا أنّ الصداقة تموت ويجب أن تموت، عندما يرتكب الصديق فيوبّخ لأنّ الله أعظم من الصديق، إذ لا محبّة حقيقيّة إلاّ إذا كان صديقًا في الحقّ، فإذا أردنا خيره فإنّما نريده في الطهارة والحقيقة ولا نسايره ضدّ الحقيقة.
الناس يُقبل بعضهم إلى بعض، من أجل ذلك يحملون بعضهم بعضًا، لا يريدون أن ينزعجوا. والمؤمن يُطمئن الغلطان وإلى المؤمن يجب أن نكون قادرين على أن نقول: «لا» للناس. ونحن همّنا ألّا يجرحوا، ألّا تشدّق آذانهم، ألّا يقال إنّنا متعصّبون. ماذا يعني هذا الكلام؟ إن أنت تمسّكت بحقيقة المسيح كما نعرفها، للناس أن يفسّروا ما يشاؤون، أن يقولوا عنك متعصّبًا، فليقولوا. المستهتر دائمًا يقول عنك إنّك متعصّب كي يغطّي آثامه. لماذا مات يوحنّا؟ مات لسببين: ماذا قتل يوحنّا؟ ماذا في هيرودس قتل يوحنّا؟ يوحنّا قتل بسبب شهوة الملك وشهوة العظماء الذين كانوا يجالسونه. زنى الملك قتل يوحنّا المعمدان، وسكر الملك ونهمه قتلا المعمدان. أكل كثيرًا وشرب كثيرًا وأضاع عقله. وهيرودس كان يعرف الشريعة ولكنّه فضّل طبعًا، فضّل هذا العشق غير الشرعيّ ليبيد النبيّ.
ماذا نستنتج من هذا؟ من أجلنا نحن. كلّ خطيئة أيًّا كانت تميت صاحبها وتميت الآخرين دائمًا. ليس أنّه يذبح ولكنّها تميت النفس، الخطيئة خراب روحيّ، ليس المهمّ أن تدمّر البيوت أن تحرق وأن يموت الناس. هذه طبعًا فاجعة وهذا مؤلم ولكن هذا ليس أكثر إيلامًا وما أكثر ألـمًا أن تصبح النفس غير حسّاسة للخطيئة غير شاعرة بالشذوذ، غير متنبّهة لابتعاد الناس عن ربّهم أي عن ذواتهم أي عن نورهم أي عن طمأنينتهم، أي عن السلام. هذه هي الكارثة أن نصبح نائمين والشهوات تتأكّلنا. أنا أفهم أنّ من يموت من البغض والحقد والقتل وما إلى ذلك، هذا شيء بشريّ، هذا موجود، هذا ليس بكارثة ولكنّ الكارثة أن تقول إنّ القتل حلال وإنّ السرقة حلال وإنّ الزنى حلال وإنّ الخطف حلال وإنّ التعصّب حلال. الكارثة أن تخلط الحقّ بالباطل والنور بالظلام. الله كان عارفًا بشهواتنا ولذلك طلب أن نكافحها، أن نكافحها باليقظة، بمعرفة الكلام الإلهيّ، بالصلاة، بالتنبه الدائم بحيث نقضي عليها بالتوبة شيئًا فشيئًا.
Raiati Archives