نعيّد، في الأحد الذي يأتي مباشرة بعد عيد الميلاد، للقدّيس يوسف البارّ، أو يوسف الصدّيق، خطيب مريم. يذكر القدّيس متّى الرسول في الإصحاح الأوّل من إنجيله أنّ يوسف كان رجلاً بارًّا (١: ١٩)، وهذا، بمنطوق الكتب المقدّسة، يعني أنّه كان يطيع مشيئة الله طاعة كلّيّة. لهذا السبب نلاحظ أنّه لمّا خطب مريم ووجدها حاملاً وشكّ في أمرها، كما يظهر في أيقونة الميلاد التي تصوّر يوسف في أسفل الأيقونة وهو جالس محتار يشكّ في أمر مريم والشيطان يجرّبه ويوسوس له بعقله، لم يتصرّف بناء على ما اعتقده هو، لكنّ يوسف أطاع مشيئة الله وأخذ مريم إلى بيته كما أمره ملاك الربّ. وبعدها يقول له الربّ اذهب إلى مصر، فيذهب، إرجع من مصر، فيرجع من مصر بدون نقاش، اذهب إلى الناصرة، يذهب. يقوم بدوره تمامًا كما يريد الله، بدقّة كاملة.
أمّا دوره الأساس فهو أن يعطي ولادة يسوع شرعيّة بقبوله يسوع كابن له وهكذا لا تتّهم مريم بالزنى فترجم، ويحافظ يوسف أيضًا على سرّ الميلاد سرّ «الصبيّ وأمّه». هذا أمر واضح في إنجيل متّى الذي بعد الميلاد لا يسمّي يوسف زوج مريم، ولا مريم امرأة يوسف. يبقى يوسف خطيبًا ويبرز دوره بالحفاظ على شرعيّة «الصبيّ وأمّه». وهذه إحدى الدلالات الواضحة التي تشير إلى بتوليّة مريم قبل الولادة وخلال الولادة وبعد الولادة.
إذًا يوسف تبنّى يسوع، قبله ابنًا له مع أنّه بالحقيقة ليس والده، وحافظ عليه وعلى حياته. هنا يجب أن نلاحظ أنّ يسوع كان مضطهَدًا من وقت الحبل به وهو في بطن أمّه. يسوع، من وقت حلوله في أحشاء مريم، تبدأ مسيرته نحو الموت لأنّه هو جاء أساسًا من أجل هذه الساعة. اضطرّت مريم إلى أن تتنقّل، وهي حامل به، مسافات طويلة بسبب أمر قيصر باكتتاب كلّ مواطني الأمبراطوريّة، وبعدها في بيت لحم لم يستقبلهم أحد في بيته، فاضطرّ يسوع إلى أن يولَد في مذود البهائم، في إسطبل حيوانات. وبعد الولادة ظلّ يسوع مضطهدًا وأراد هيرودوس أن يقتله فهرب إلى مصر…
مباشرة بعد الميلاد إذًا، تضع أمامنا الكنيسة القدّيس يوسف لتذكّرنا بأنّ يسوع وُلد لكي نتبنّاه، لكي نأخذ قضيّته على عاتقنا ونكون مثل يوسف الذي حضن يسوع وكأنّه أغلى شيء عنده، كأنّه أغلى من كلّ كنوز الدنيا، وكأنّه أغلى من حياته نفسها. لفّ الدنيا كلّها لكي يحافظ على طفل ليس ابنه أصلاً.
يسوع قضيّة نتبنّاها ونجاهد في سبيلها وندافع عنها. لكنّها قضيّة ليست كسائر القضايا، هذه لا تقوم بمنطق القوّة أو العدد أو السلطة أو المال. هذه قضيّة تقوم على أن نعيشها. تبنّي قضيّة يسوع والدفاع عنها يقومان على عيشها. هكذا تستمرّ وهكذا تنقَل إلى سائر الناس.
تبنّي يسوع إذًا يطال حياتنا كلّها، ولكن في موسم الأعياد هذا وكلّ ما نشاهده من أشياء ترافق الأعياد، هنالك ناحية مهمّة ينبغي أن نركّز عليها وهي تبنّي يسوع عبر الفقراء. الظاهر في العالم اليوم أنّ يسوع مهمَل عبرهم ومضطهَد عبرهم. كيف لا والناس تصرف في ليلة واحدة، يسمّونها ليلة رأس السنة، مالاً يُطعم فقراء العالم كلّ السنة.