(يوحنّا 15: 5)
الرّبّ يسوع المسيح هو الدّالِيَة المُعَلَّقَة على خشبة الصَّليب، يلتصق بالخشب، ويلتصق، أيضًا، بالعنب: “واحد من الجند طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دمٌ وماء” (يوحنّا 19: 34).
الدّم يشير إلى ذبيحة الخلاص، سرّ الأفخارستيّة، والماء يشير إلى سرّ المعموديّة، الولادة الجديدة. كلّ ذلك يتمّ بإعطائه لنا موهبة الرّوح القدس. فبنعمة الرّوح القدس نحن، كالأغصان، ملتصقون بالكرمة، مرتبطون بالمسيح، متّحدون به.
هذا ما يقوله جليًّا القدّيس كيرلّس الإسكندريّ.
يضيف الإنجيليّ يوحنّا: “كلّ غصن فيّ لا يُثْمِرُ يقطعه، وكلّ غصن يُثْمِرُ ينقيّه ليأتي بثمر أكثر” (يوحنّا 15: 2).
الغصن معلّق بدالِيَةِ الكرمة. إن وُجِدَ بدون ثمر يأتي الكرّام ويقطعه بالمقصّ، ويطرحه في النّار فيحترق.
أمّا الأغصان الّتي تُثْمِرُ فهي تُنقَّى لئلّا تصبح حطبًا، ولكي تُثْمِر أكثر. هكذا، كما يقول الرّسول بولس: “اِحملوا سلاح الله الكامِل… وسيف الرّوح الّذي هو كلمة الله” (أفسس 6: 17). الإنجيل، أي كلمة الله، هو الّذي يطهِّرُ الأغصان الفاسِدَة، أي ينقّيها من تلوُّث الملذَّات لكي تُثْمِر أكثر، لأنّ الإهتمامات الدّنيويّة وملذّاتها هي الّتي تعيق تَقَدُّم الإنسان وإِثْمَاره بالفضائل.
الكرمة هي، أيضًا، جسد المسيح، أي الكنيسة. الأغصان، الّتي هي نحن، تأخذ رطوبة حياتها من أمّها الكرمة، الكنيسة، لكي تحمل ثمارًا. هذه الرّطوبة، الماء الحيّ، هي نعمة الرّوح القدس، ويوصينا الرّبّ يسوع بشدّة قائلًا: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا (…) اُثْبُتُوا فِيَّ وأنا فيكم… اُثْبُتُوا في محبَّتِي، هذا إذا حفظتم وصاياي” (راجع بدقّة الإصحاح 15 من يوحنّا).
ما أحلى وما أجمل هذا الكلام!!. يُبَيِّنُ المسيحُ، هنا، أهمّيّة المحبّة المرتَبِطَة به، كما يقول القدّيس كيرلّس الإسكندري.
أمّا المغبوط أغوسطينوس فيُشِيدُ بالنّفوس المتواضِعَة بقوله: “الّذين يَوَدُّونَ إِرضاء أنفسهم، فيظنّون أنّهم ليسوا بحاجة إلى الله للقيام بالأعمال الصّالحة (…) هذا منتهى الكبرياء”.
كم يَسْرِي هذا الكلام بالنّسبة للإنسان المعاصِر. فقولوه يا إخوة إلى كلّ من حولكم، قولوه لأنفسكم أوّلًا، ومن ثمّ للعالم أجمع: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا” (يوحنّا 15: 5).
أخيرًا وليس آخِرًا، يأتي القدّيس يوستينوس الشّهيد ويشجّعنا للصّمود أمام الأحداث الصّعبَة الحاضِرَة بقوله: “الكرمة الّتي غرسها الله، المسيح المخلّص، هي شعبه، فإذا اقتطع أحد ما أجزاءً من هذه الكرمة المُخْصِبَة، تَثْبُتُ أغصان أُخْرَى، فتنمو مُزْدَهِرَةً ومُثْمِرَة”. هكذا، إذا اضْطُهِدْنَا وتَعذَّبْنَا فلا نتخلَّيَنَّ عن اعترافنا المسيحيّ، لأنّه بذلك نتنقّى نحن المسيحيّين من خطايانا فيزداد بسببنا الإيمان بالرّبّ.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 50، الأحد 14 كانون الأوّل2014