يعتبر أحد الابن الشاطر من الآحاد ذات الأهميّة الكبيرة لما فيه من تشديد العزيمة وتجديدها لدى الإنسان المؤمن.
من منا لا يعشق الحرية وتستهويه ويريد أن يعيش أبعادها في حياته الخاصة والعامة، من منا لا تكبّله العبودية بكل أشكالها وتقتل مواهب الإبداع في شخصيته المثل يقول أعطه حرية وخذ إبداعاً.
ولكن الإبداع في الحياة لا يأتي إلا بالالتزام وباتباع الطرق السليمة، والفرق بين العبودية والالتزام بَوْنٌ هائل، تقتل العبودية كلَّ شيء عند الإنسان، أَخَيراً كان أَم شراً، ونتيجتها سيئة حتى ولو كانت خيِّرة بالظاهر، وثمارها مرَّة، وتؤدي في كل الأحيان إلى صغرِ في النفس وإلى مراحلَ هابطة من أنواع العبوديّة. وكثيراً ما يقاد الإنسان إلى العبوديّة بإرادته الحرّة وهو يظن أن هذه حريته.
بينما الحرية غير الملتزمة قد تؤدي إلى نتائج حسنة أو إلى ثمار سيئة. فكل شيء في الحياة يدخل في معادلةِ عناصرْ، مع بعضها البعض تؤدي إلى نتيجة ما، فإن دخل عنصر غير ضروري للمعادلة أفسدها أو أفسد نتائجها.
تأخذ الكنيسة في شرحها للابن الشاطر معنيين، الذي شطر أموال والده هذا في المرحلة الأولى. وكذلك تسميه الابن الشاطر في المرحلة الثانية وهو الذكاء، أي الابن الذكي الذي عرف ذاته وانتبه لمصير حياته وقرَّ قراره أن يعود إلى بيت والده. وهنا ظهرت فطنة هذا الابن الذي أصلح سيرة حياته بهذه العودة إلى الحضن الوالدي الدافئ الأمين. ووجد حريته بعد أن استعبدته الأهواء وبذّر أموالاً طائلة حيث ظن أن هناك حريته وشخصيته ويمكنه أن يعبر عن ذاته كما يريد، فوقع في النقص والعوز إلى درجة الإفلاس التام والأكثر من ذلك ظن أنَّه بما صنعه ويصنعه لصحبته سيجد المحبة عندهم ولن يضيّعوا له عشرة ولا مشاركة الخبز والملح ولكنه ما وجد عند من عاش معهم أحلى ساعات حياته بمفهوم الشطّار والعيّار، محبة ولا تضامناً. لأن نتيجة معادلة الخطايا – الموت، ليس فقط الموت الجسدي بل كل أنواع الموت حتى الموت بالخطيئة التي لا يستطيع إنسان أن يكمل في دربها لأنها أشطر من شطارها وعيّارها (كان يشتهي أن يأكل من الخرنوب الذي ترعاه الخنازير ولم يكن أحد يعطيه) نراهم في كثير من الأحيان شحاذين في الطرقات يلتمسون بعضاً من المال لشراء المخدرات أو مما عوَّدوا ذواتهم عليه بعبوديَّتهم له.
في أيامنا هذه تغزو مجتمعاتنا أفكار ونظريات فكرية مختلفة، مزاحمة ما تعودنا عليه واستطابته نفوسنا من شؤون الحياة الماضية برغم قساوة الظروف والعادات، فأي بيت لا يشتهي أن يكون فيه السلام ويسوده الوئام وهذا عاشته عائلاتنا تحت كنف رعاية الإيمان بقيادة كلمات، حرام -هذا خطيئة- هذا لا يرضي الله- ألا يوجد في قلبك خوف الله، ومثلها الكثير من العبارات. بينما في هذه الأيام قد ضقنا ذرعاً بما كنا عليه ونريد التغيير، ويبدو أن التغيير في هذه الأيام هو كالتغيير الأول زمن الأبوين الأولين في الفردوس، ضاقا ذرعاً بما هما عليه ولم ينتبها لتقدمهما في السمو والرفعة، فاختارا طريقاً صارا فيه نادمين يريدان العودة، ولكن هيهات بدون عناصر المعادلة الكاملة والصحيحة.
إن الندم يبدو في أيامنا قد صار واقعاً، ولكن لا جرأة في قرار العودة إلى الأحضان الأبوية، ونحن مستمرون في شطارتنا وما نظن من الذكاء، وتتدهور الأحوال ويزداد الصراخ من كل ناحية، ولكن الغائب الأهم هو عزيمة التغيير والعودة. حتى أن الكثير من الأمور قد تبدلت معانيها ومفاهيمها وطرق عيشها والكل يدركون ذلك. وفي أغلب الأحيان نسمّي المرتشي شاطر، والسارق قبضاي، بيعرف يْدَبِّر حالو إلى ما هنالك من أمور باتت لا تثير انتباه أحد. لأنه كما يعيش الفرد الواحد الشطارة بأنواعها في حياته، هكذا يمكن أن يكون مجتمع بكامله عائشاً أنواع الشطارة وهو راضٍ بذلك.
فلنختر أيها الإخوة الأحباء النوع الأخير من الشطارة وهو الفطنة والتأمل الصحيح ليكون لنا القرار السليم باتخاذ طريق التوبة. ليعود النور الحقيقي إلى عيوننا فنرى الأشياء على حقيقتها فلا نرتبك يميناً ولا شمالاً ولنصرخ إلى الله (من احتاج إلى ذلك): “يا رب أخطأت إلى السماء وأمامك فاقبلني تائباً إليك”. لنقل هذا ونعلنه لنصبح جاهزين للدخول في زمن الجهاد دخولاً كاملاً مظفراً ونستحق أن نعيش نداءات الله “تعالوا إليّ أيها المتعبون والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم”، لأن عنده الحريّة فهو نبعها ومعطيها. نعمته لتكن معكم جميعاً، أمين.
باسيليوس، مطران عكار وتوابعها
عن “الكلمة”، كنيسة طرطوس، العدد 6، الأحد 8/2/2015