مثَل الوزنات هو مثل علاقتنا مع الله في العمق. القضية ليست أن يثمر الانسان مواهب طبيعية له كالصوت الجميل مثلا، الأمر المطلوب هو أن نُجمّل أنفسنا بفضائل الإنجيل حسب موهبة النعمة. هذا تأكيد على أن كل ما لدينا من خير وجليل وطاهر انما يأتي من الآب. الإنسان ليس عنده شيء بحدّ نفسه ولكنه وارث لكل ما فيه من الله.
يُفهم من المثل ان المواهب متفاوتة بين الناس. هذا أمر الله، وهذا شأنه مع أبنائه، وليس لنا نحن أن نناقش مشيئته. ولكن ما يُفهَم من هذا المثل أن كل إنسان يستطيع أن يخلُص ابتداء مما ورثه، فقد شاء الله الكل أن يخلُصوا كما يقول الرسول بولس «شاء الله الكل أنْ يخلُصوا وإلى معرفة الحق يُقبلوا» (١تيموثاوس ٢: ٤). عند كل إنسان قوة من الروح القدس كافية لتؤهّله للخلاص. وليس له ان يقول: مواهب الله لا تعجبني وأنا أَطمر الوزنة وأُؤجل خلاصي أو لا يهمّني خلاصي.
نتكلّم هنا عن المواهب الروحية التي يهتم بها يسوع المسيح. إذا كان عندك شيء من الوداعة، يجب ان تُنمّي الموهبة بوداعة متزايدة يوما بعد يوم. أو إذا عندك شيء من التواضع أو بعض العفّة، أو عندك صبر أو محبة قليلة أو كثيرة، هذه هي الأشياء مهمّة، وهذا ما يجب ان نُنمّيه فينا.
لا نتكلّم هنا عن الجمال أو الغنى. هذه ليست من مواهب الله. الله لا يتكلّم عن الأشياء الدنيوية. ولكن الناس، بسبب التفاوت الذي يريدونه بينهم، جعلوا الغنى يأتي من الله، وجعلوا الفقر يأتي من الكسل وما إلى ذلك لأنهم يريدون ان يتحكّموا بعضهم ببعض، فينسبون تفوّقا ماديا إلى الله، ويقولون هذا أنعم الله عليه. نحن لا نعرف، قد يأتي المال من الله، وقد يأتي من الشيطان.
طبعًا لا يريدنا الله ان نهمل المواهب الطبيعية أيضا. فإن كنتَ فَطِنا، ذكيا، فمن المفيد أن تنمو لنفع المجتمع البشري. لكنه ركّز على المواهب الروحية في الإنجيل لأن من حصل عليها حصل على كل شيء.
حتى تُثمر المواهب، يقتضي شيئا من التقشّف وشيئا من النسك. الحياة المسيحية أن تُلاحظ نفسك، أن تقمع شهوتك، أن تعرف طرق الشر من طرق الخير، أن تحيد عن الشر بإرادة تُروّضها يوما بعد يوم حتى تكون مع القديسين هنا على الأرض، مع الذين ضبطوا أخلاقهم وعاشوا سماءهم هنا على أرضهم. يمكنك يوما بعد يوم أن تكون أكثر محبة وأكثر وداعة وأكثر لطفا.
لا يمكنك أن تنمو ما لم تؤمن بقدرة الله فيك. إنه يُنميك لأنه يحبك ويريدك أفضل مما أنت عليه اليوم. فإذا أنت لا تستسلم إلى شهوات الخديعة ولا إلى الغرور، ولكنك تقول مع الرسول «أنا بنعمة الله ما أنا» (١كورنثوس ١٥: ١٠)، أمشي وراء الله وهو يقودني إلى الميناء الصالح، بهذا أكون قد ورثتُ خمس وزنات وجعلتُها عشرا، وسأزيد قامتي الروحية يوما بعد يوم بحيث أصير أكثر وداعة وأجلّ تواضعا وأسمى في الصبر.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 6، الأحد 7 شباط 2016