بالنسبة للأشخاص الروحيين الذين يكافحون للحصول على معرفة الله والإبقاء عليها، باعتبارها مدخلاً إلى طاقة الخلود الإلهي، ليس التعلم العلمي الفكري كافياً، بغض النظر عن الصفة التجريبية التي قد يتمتّع بها وعن مدى صعوبة ضحدها. يوفر العلم الإنساني وسيلة للتعبير عن تجربة المعرفة الوجودية، ولكنه يعجز عن نقل هذه المعرفة بطريقة أصيلة دون مشاركة النعمة في العمل. لو لم يكن الأمر على هذا المنوال، لكان “صعودنا” نحو مجالات الوجود الإلهي، وجود الحق، يعتمد على التربية الدهرية والقدرة الفكرية وحسب. ولكن اﻷمر ليس على هذه الحال. عند هذه النقطة يصبح من الواضح أن الشيخ صوفروني يدور ضمن حدود تيار الفكر الآبائي الأرثوذكسي، الذي يرفض إمكانية فهم الكائن الإلهي من خلال التصنيفات المنطقية.
مع ذلك، يقبل الشيخ إمكانية الشعور بعدم إمكانية إدراك اﻷلوهة من خلال عملية التفكّر الفلسفي الطبيعية. فالفكر يبلغ حالة“الوقوع في الصمت“. وهذه الحالة هي دون المعرفة اﻷصيلة لله بكثير. يمكن إيجاد هذه العملية في كتب النسك عند متصوفي الكثلكة. ومن دون التقليل من قيمتها أو رفضها، لم يصنّفها الشيخ صوفروني بين الدرجات الروحية اﻷعلى، حيث لا يصمت الفكر بل يمتلئ باستنارة القوى اﻹلهية ويشترك في حياة الله. إن “صمت الفكر” الذي يُصادَف ك “ظلام” و“ليل” يبرهن أن الفكر دخل في المعاينة الحقيقية، لكن قطعاً من دون الافتراق عن القلب الذي هو مركز الشخص البشري.
في ما يتعلّق بمشاركة العلم في المعرفة الوجودية لله، فإن للشيخ وجهة نظر لاذعة حول استخدام التحليل النفسي كتفسير للخبرات الممنوحة من فوق. يحاول التحليل النفسي العلمي إقناعنا بعدم إعطاء مصداقية لتجاربنا. ولكن عندما نتحدث عن ظهور شخصي لله لشخص ما، حيث ما من مكان لأي شك في هذا الظهور، لأنه هو المبدأ الحقيقي لكل ما هو موجود، فإنّ أي محاولة للتحليل النفسي تكون مضللة، ﻷنّه حيث يعمل الله يصير إطناباً. يضع التحليل النفسي العلاقةَ التجريبية بين الناس والله على مستوى الخيال. ببساطة، هذا غير صحيح لأن حقيقة معرفة الله التجريبية، وهو ما يسمى “معاينة” في الفكر الآبائي، تذهب إلى ما هو أبعد من إمكانيات الخيال البشري. يتوصّل الشيخ إلى نفس النتيجة في تعامله مع الخوف الإلهي. فما من شيء مشترك بين خوف الله كنتيجة للاستنارة الروحية والغريزة الحيوانية المقابلة. لذا تكمن طبيعتها خارج نطاق علم النفس.
د. نيكولا كويوس
www.orthodoxlegacy.org