أيُّها المسيحيون الصالحون ! إنَّ يسوع المسيح كما كان يدعو في ذلك الزمان الرُّسل كذلك فإنَّه يدعونا نحن الآن ويقول لنا:” تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ( متَّى11: 29 )، ولكن للأسف فلا أحد منا يسمع نداءه الإلهي ويقبل راحته. ولكن لم الأمور تجري هكذا ؟ هل أنَّ كلمة الله قد ضعفت ولا تستطيع أن تُجذب قلب الإنسان ؟ لا إنَّها لم تضعف، لأنَّ كلمة الله غير قابلة للتغير بل إنَّها مازالت على ما كانت عليه في أيَّام آدم ونوح وعلى عهد إبراهيم وموسى وعهد الأنبياء والرُّسل وستبقى كذلك إلى مدى الدهور. ولكنَّها الآن ليس لها نفس التأثير الّذي كان على عهد الأنبياء والرُّسل وذلك بسبب أنَّه يأتي الكثير من الناس إلى الكنيسة ويسمعون كلمة الله ولكنَّهم يغادرونها خطأةً أيضاً كما كانوا قد دخلوها ويظلون غير مصحَّحين ويهلكون في خطيئتهم. ولم الأمر هكذا ؟ إنَّه هكذا ليس لسبب معيَّنٍ بل لأنَّنا لا نهتمُّ لخلاصِنا ولأنَّنا نهتمُّ بالأمور الدنيويَّة فقط بحيث أنَّهُ حينما نكون في الكنيسة نكون حاضرين هناك بأجسادنا فقط وأمَّا ذهننا فيبقى خارجها منشغلاً بأعمالنا الخاصَّة وباهتماماتٍ دنيويَّةٍ أخرى. يا لغباء ذلك الإنسان الّذي يحترم حياته هذه أكثر من ملكوت الله الأبدي الّتي تكون هذه الحياة مقارنةً معهُ كقطرة ماءٍ من البحر أو كحبَّةِ رملٍ بالمقارنة مع الرَّمل الّذي على شاطئ البحر. إنَّنا عبثاً نتعب في بناءِ بيوتٍ عاليَّةٍ وجميلةٍ حيث إنَّنا نحن أنفسنا لا نعرف كم من الزمان سنسكن فيها ، ويوجد أناسٌ كثيرون يموتون قبل أن يتمُّوا بناء عمارتهم ولم يتمكنوا من الاستمتاع بها ولو ليومٍ واحدٍ . إنَّنا عبثاً ما نتعب في جمع كنوزٍ كثيرةٍ وبضائع في حين نكون غير عالمين لمن نجمعها وأنَّنا سنرحل من هذا العالم بأيدٍ فارغة . إنَّنا عبثاً ما نبذل جهداً من أجل العناية بجسدنا الّذي سرعان ما سيتحول إلى ترابٍ وسيصبح نتناً ويصيبه القيح ، وأمَّا عن نفسِنا الّتي هي خالدةٌ فلا نهتمُّ كيف لنا أن نخلِّصها.
نحن موجودون في هذا العالم وكأنَّنا في المنفى ، ولكن هل تعلمون كيف يعيش إنسانٌ منفيٌّ في بلدٍ غريبٍ ؟ إنَّهُ ينتظر ويترقَّب دائما زمن وصول أمرٍ يخوِّله بأن يعود إلى موطنه . كذلك ونحن أيضاً هكذا ينبغي لنا أن نعيش في هذا العالم إذ أنَّنا نزلاءٌ فيهِ. إن كنَّا اليوم أحياءً فإنَّنا غداً سنموت ونذهب إلى موطننا السماوي من حيث تنحدر نفسنا أيضاً . ولذلك يتوجَّب علينا ألا نربط قلبنا بهذا العالم وبأعماله ، لأنَّه غريبٌ بالنسبة لنا . إنَّه غداً حينما نموت سيبقى كلُّ شيءٍ هنا وأمَّا نحن فسنرحل إلى هناك بأيدٍ فارغة . يجب علينا أن نتمعَّن في ذلك وأن نتيَّقن ما هو مقدار الخسارة الّتي نجلبها على نفوسِنا إن لم نعتنِ بخلاصها . فلنفتكر عن دينونة الله الرهيبة والملكوت السماوي وعن عذاب الخطأة الأبدي. ولنتفحص ذواتنا كلَّ يومٍ أيَّةَ وصيَّة إلهيَّة قد تعدَّيناها وأيَّة توبةٍ أو أيَّ فعلٍ صالحٍ قد عملناهُ . ولا يكن هنالك يومٌ من حياتنا حينما لا نفكِّر فيه عن الله وروحنا والعالم الآخر. وإن نحن عملنا هكذا فسنحيا في هذا العالم كغرباءَ وسنرسل جميع أعمالنا الصالحة إلى السموات ، حتَّى متى ما جاءت ساعة موتنا نغادر بسعادةٍ هذا العالم المثير للشفقة ، والّذي كنَّا منفيين فيهِ ونذهب بسعادةٍ إلى موطننا السماوي إلى حضرة جميع القدِّيسين والملائكة في مجد الإله المثلث الأقانيم حيث سيجعلنا المسيح مستحقِّين للدخول إلى ذلك الفرح الأزلي . آمين.
القدِّيس صفرونيوس مطران مدينة فراتسا البلغاري
من كتاب الصفرونيات ”كتاب تفسير أناجيل الآحاد للقديس صفرونيوس البلغاري “
ترجمة فيكتور درّه 25 / 6 / 2011
victordotcom1.wordpress.com
أحد اختيار الرسل