الوجه الأوّل هو القدّيس باسيليوس الكبير. أراد هذا الراعي أن يكون عمل الرحمة عملًا مستديمًا وليس عابرًا ظرفيًّا. فبنى ما سمّي في ما بعد المدينة الباسيليّة حيث تلاصق مراكز الرعاية الطبّيّة والاجتماعيّة مراكز العبادة وحيث يخدم الفقراء الاختياريّون (أي الرهبان الذين التزموا الفقر) الفقراء المرغمين (المساكين والمرضى). كانت هذه المدينة ثمرة رؤيته وجهده لإيجاد نظام اجتماعي أكثر عدلًا وإنسانيّة. كانت تستقبل هذه المدينة المسافرين والغرباء والأيتام والمصابين بالأمراض المعدية وكلّ من أعوزه القوت أو المأوى أو العناية. كتب في رسالة إلى حاكم كبادوكيا: «من نؤذي عندما نبني بيوتًا وملاجئ للغرباء الآتين إلى هذه المنطقة والذين لديهم معاناة تتطلّب علاجًا؟ وعندما نبني منازل تساعد على التخفيف من ألمهم مع ممرّضات وأطبّاء ومساعدين…؟ يجب أن تتضمّن رؤيتنا أيضًا أعمالًا كثيرة أخرى ضروريّة للحياة وكلّ ما يمكن أن يخترعه العقل البشريّ للمحافظة على حياة كريمة».
الوجه الثاني هو الأب «ألكسندر مِنْ» الكاهن الروسيّ (الراقد العام ١٩٩٠). كتب هذا الكاهن عن نفسه: «الأب سيرافيم الذي عمّد أمي وعمّدني كان تلميذًا لشيوخ دير أبتينو… الذين لديهم مميّزات عزيزة على قلبي: الانفتاح على البشر، على مشاكلهم، وبحثهم، الانفتاح على العالم. بعد انقطاع طويل أعاد دير أبتينو الحوار بين الكنيسة والمجتمع… وقد حُفرت هذه الفكرة في قلبي: أنّه ينبغي عدم إيقاف هذا الحوار وأنّني يجب أن أساهم فيه بقواي الضعيفة… لو كنت عشت في زمن آخر لكنت حاولت أن أصالح العمل العلميّ واللاهوتيّ والرعائيّ… في عمر الـ١٧-١٨ حين كنت أتهيّأ لخدمة الكنيسة، اتّضح لي ماذا يجب أفعل. كنت ألاحظ انجذابًا إلى الإيمان بخاصّة عند أشخاص من الشريحة المثقّفة… إذًا يجب على الكاهن أن يتحضّر بالتوافق مع هذه الظروف. وليس فقط كتكتيك أو حيلة، ليجد لغة مشتركة مع محيط معيّن، ولكن لأنّ المسيحيّة بحد ذاتها هي قوّة خلّاقة فاعلة… لا أفهم لماذا نميّز بين المقدّس وغير المقدّس (الدنيويّ)… كلّ نصّ جميل في الأدب والفلسفة والعلوم، يصف الطبيعة والمجتمع والمعرفة والمشاعر البشريّة لا يكلّمنا إلّا على شيء واحد: «الأولويّة الوحيدة». ليس هناك من حياة مستقلّة عن الإيمان. إنّ إلغاء أيّ شيء (ما عدا الخطيئة) يبدو لي نكرانًا للجميل تجاه الله، ظلمًا وافتقارًا غير ضروريّ للمسيحيّة المدعوّة إلى أن تروي كلّ الحياة وأن تعطينا الحياة بوفرة»، وقد التزم الأب ألكسندر طيلة حياته هذه الرؤية.
الوجه الثالث هو الشيخ القدّيس أمفيلوخيوس من بطمس. التزم شؤون الناس والبيئة كراهب وأب روحيّ. بالإضافة إلى تأسيس الأديرة، اهتمّ بالأيتام وبنى لهم بيتًا وكان يستقبل الجميع بفرح ومحبّة ووداعة وروح الفكاهة رغم ضعفه الجسديّ قائلًا: «أنا خادم الكنيسة ولا يمكن أن أرتاح». اعتبر الشيخ أنّ «من يزرع شجرة يزرع الرجاء والسلام والمحبّة وينال بركة الله… من لا يحبّ الشجر لا يحبّ المسيح… أتعلمون أنّ الله أعطانا وصيّة لم تُكتب في الكتب المقدّسة؟ هي هذه: أحبب الشجر». وكان يطلب من كلّ إنسان يعترف لديه بأن يزرع شجرة كفعل توبة. وساهم هذا الراهب بتشجير مساحة واسعة في جزيرته التي التزم كلّ أحوالها.
Raiati Archives