أود أن أبيّن لك بوضوح أنّه عليك أن تتقبّل ملكوت الله كلّه هنا الآن، إذا أردتَ أن تدخله بعد مماتك. اسمع ما قاله الربّ بالأمثال: «ماذا يُشبه ملكوت السماوات وبماذا أشبّهه؟ يشبه حبّة خردل أخذها إنسان وألقاها في بستانه فنمَت وصارت شجرة كبيرة» (لوقا ١٣: ١٨-١٩). هذه الحبّة هي ملكوت السماوات، هي نعمة الروح الإلهيّ. والبستان هو قلب كلّ إنسان حيث يخبّئ مَن اقتبلَ الروح الإلهيّ في أعماقه، في ثنايا أحشائه حتّى لا يراه أحد. يحفظه بكلّ عناية لينمو ويصير شجرة كبيرة ترتفع نحو السماء.
إذا قلتَ: لا نتقبّل الملكوت هنا على الأرض، بل يتقبّله بعد الموت كلّ من اشتهاه بحرارة، فأنتَ تقلب كلمات المخلّص إلهنا. وإن لم تأخذ الحبّة، حبّة الخردل، كما قال، ولا ترميها في بستانك ستبقى عقيمًا بالكلّيّة. متى ستتقبّل الزرع إن لم يكن الآن؟
قال المعلّم: تقبّل العربون هنا على الأرض، تقبّل الختم. ابتداء من هنا على الأرض أشعل مصباحك. إن كنتَ عاقلاً سأكون هنا من أجلك «اللؤلؤة الكثيرة الثمن» (متّى ١٣: ٤٦)، هنا على الأرض سأكون قمحك مثل حبّة الخردل. هنا على الأرض سأكون من أجلك الخميرة التي تخمّر العجين. هنا على الأرض سأكون من أجلك كالماء… كالنار… هنا على الأرض سأكون طعامك وشرابك ولباسك إذا أردتَ. هذا ما يقوله المعلّم: إذا اعترفت بي منذ الآن على الأرض سأكون كلّ شيء لك هناك (أي بعد الموت) بشكل لا يوصف.