ولنذكر أيضاً يؤانس والذي لُقب ” خريسون ” (ذو الذهب أو الذهبي) ولأنه من غير المعقول أن يُسمى ذو الذهب وهو محروم من الذهب . ولكنه قد نال مقتنى أغلى من الذهب من قِبل نعمة القديسين عليه ، والتي يهبونها بفيض لكل الملتجئين إليهم ، إذ لا يصرفون أحداً فارغاً ، إلا إذا كان شريراً وغير مستحق لعملهم هذا ، وعدم إستحقاقه يرجع لعدم إيمانه ، أو لأن ينوي بإرادته أشياء خبيثة ، وبهذا تظهر غيرة الإيمان التي للقديسين ومحبتهم للأعمال الصالحة .
أما يوحنا فإذ كان يصارع من أجل إقتناء المال والألقاب ، أصيب بمرض شديد لم يكن قادراً بسببه على التفوه بأي كلام أو الذهاب للأطباء لنوال الشفاء ، لأن رجليه قد تآكلت وكأنها بسبب سخط إلهي عليه . وإذ قد تعفن الجلد المحيط بالرجل ، حتى أنه من شدة التعفن – والذي كان يحيط بكل جزء من جلده – تعرى لحمه من كل ما يكسوه ، وفقد الغطاء الذي كان موجود بالطبيعة ، وبسبب التعفن السريع الذي حدث بالجلد الذي يحيط بالرجل ، انفصل عن لحمه وسقط من رجله .
وإذ قد مر وقت طويل بالمرض مخدوعاً من كلام الأطباء الكاذب ، غير مستفاد منهم بشيء وكأنه كلام متطاير في الهواء ، دون أن يمس الداء . ليس فقط ذلك بل والوقت الطويل للمرض وهو محصوراً تحت ألم شديد ( مستحقاً الشفقة ) وإذ لم ينال أي إستفادة من قِبل الأطباء بالنسبة لمرضه ، فتركهم نهائياً وتوجه إلى كير ويوحنا في المكان المعتبر كعيادة لهم .
واما الشهيدان كأطباء حقيقيين أرادوا أن يُظهروا له الفرق بين قوتهم الإلهية وضعف الأطباء ، وفي حلم أظهروا له المساعدة واهبين له طريقة الشفاء ، وهي عبارة عن ملح وكمون يخلطان معاً ثم تدعق به كل الرجل حتى تُزرع مرة أخرى الرجلين . وهذا ما فعله بالضبط المريض بمجرد إستيقاظه إذ قد تممه مباشرة فخلص نفسه من الآم شديدة وعظيمة وليست قليلة . هذا الذي كان عن قريب من المصير العام وهو الموت والانهيار فبتأثير الكمون والملح كان يلتئم وبمشورة الشهيدين كان يتقوى وبأمرهم الإلهي يطرد الموت المنتظر . وهكذا نمجد الله وعمل الشهيدان في هذه المعجزة .
عن بافلو ( بولس ) الذي كانت رأسه ممتلئة بالديدان :
كان بافلو شخص فقير جداً ولايملك أي ذهب وقد أصابه ألم ومرض لا يُحتمل ، كان يشتاق أن ينال الصحة من قِبل الشهيدين ، وكان يأمل أن ينال الشفاء بواسطتهما . وإن كان هناك قد فاز بدواء لفقره ، فهنا قد نال الشفاء من مرضه . وهذا كان مرضه ، وهكذا نال الشفاء .
كانت رأسه تؤلمه كثيراً وكان من الصعب وصف الآمه ، فقد بدأ بالألم والصراخ وعدم النوم وبعد ذلك ظهر الورم الذي كشف عن سر هذه الآلام . ولكن على الرغم من الآلام الموجودة لم يُكتشف وجود الورم . وهكذا بدأ بعض الأطباء أن يُرجعوا سبب الألم لوجود شيء بالدم ، وآخرون قالوا أنه قد يكون بسبب تجمع صديدي مكان ورم قد أستئُصل من قبل ، وآخرون قالوا أنها أعراض لمرض آخر سوف يظهر فيما بعد . وهكذا لم يصلوا بكلامهم إلى الحقيقة ولكنهم كانوا يستنتجون فقط ما يسمعونه ، ويحللون آراء الآخرين حسب إستنتاجاتهم .
ولكن القديسان إذ كانوا يعلمون تماماً المرض ، ويعلمون سبب الألم الشديد ، بطريقة مرحة قد وهبوا له الشفاء ، لكي يظهروا لأولئك الذين يروا الشفاء مستحيل ، أنه مجرد شيء سهل وبسيط . ولنسرد إذا طريقة الشفاء المرحة واللذيذة ، مظهرين لكل السامعين قوة القديسين والفرح الروحي المقترن بخفة الروح التي صُنعت بها تلك المعجزة .
لقد جعلوا بافلو ينام ( لانه غالباً في غفلة نوم قد سقط ، إذ كانت رأسه تؤلمه ، حتى أنه استسلم للآلام تماماً ) ، وجاءوا إليه ليلاً في نومه ، واهبين له وسيلة الشفاء وبشروه بنوال الصحة .
فقالوا له “في الفجر باكراً ، عندما تقوم من فراشك ، توجه نحو البوابة التي تجاه البحر والتي تبعد عن البيعة مسافة البستان التي يحيط بها . والشخص الذي ستصادفه هناك أصفعه بشدة على وجهه ، وعندما ستفعل ذلك ستجد الشفاء للمرض العالق بك .
وأما هو ، إذ كان يظن أن ما رآه مجرد حلم ( خيال ) لم يفعل أي شيء مما قالوه له القديسين ، وعلى الرغم من أنهم أمروه مرتين أن يفعل ذلك ، إلا أنه لم يفعله . وإذ قد قال له الشهيدان ذلك للمرة الثالثة ، شددوا عليه أنه إن لم يفعل ذلك لن ينال الشفاء الذي يرجوه . فقام باكراً عن الموعد المحدد وقام من فراشه وتوجه نحو البوابة المشار إليها ، فقابل عند تلك البوابة جنديا ممسكاً في يده عصا ، وظاهراً عليه علامات قلب ممتلئ غضباً ، فذهب بافلو وصفعه بقوة على وجهه متسبباً له في جرح .
أما هذا الجندي ، فإذ لم يكن له دراية بأي شيء ، فبمجرد أن صفعه بافلو بدأ حالة دفاع عن نفسه ، ورفع عصاه مباشرة وضرب ذاك على رأسه متسبباً له في جرح أعمق كرد على ضربته له .
وإذ قد أصيب بافلو في رأسه بجرح ، سقط أرضاً بسبب إصابته ، وأخذ ينزف دم وديدان ، حتى أخرج من كل مكان من داخله ديدان كثيرة جداً . وتلك هي التي كانت تأكله باستمرار ، وهكذا تخلص من دائه ، خلاص غير متوقع قد ناله بسبب جرح وإصابة ، فهو جرح الدواء ، ومعاون للمرض ، وضمادة للداء وشفاء للرذيلة .
وإذ قد جنى الشفاء الكامل ، انشد مديح للشهيدان ومجَّد الله كما يليق به ، الذي وهب له الشفاء بواسطة أولئك ، وانصرف تاركاً لنا الدافع والحجة لنرنم للمسيح والشهيدين .
عن ماريا المصابة باستسقاء:
أن عمل المعجزات لعجيب فأنه يهب شفاء الجسد والروح معاً . بل وتهب بالأكثر الإيمان للروح بالإضافة إلى التحرر من الأمراض الجسدية ، ولكليهما أي الجسد والروح تهب الابتهاج المملوء بفرح روحي عميق ، والتي لا نستطيع القلم أن يعبر عنها أو يصفها . والآن في مشاركتنا للذين شفيوا ، وافتخارنا بالشهيدين نذكر ماريا التي كانب مصابة بمرض عديم الشفاء ، هذا المرض الذي يسمونه في الطب “مرض الإستسقاء” . ولكن لا يستطيع الطب أن يقدم أي وسيلة للشفاء أو لتخفيف الالآم منه .
وهذا ما أصاب ماريا ، حتى وصلت لمرحلة خطيرة إذ تورم جسدها وأصبح منظرها مفزع ورهيب ، ومن بعد كشف الأطباء عليها وتشخيصهم وتأكيدهم أن الموت وشيك وأن الخطر شديد ، توجهت إلى بيعة القديسين وجلست هناك على الأرض تصرخ من الألم ، وتشكي مرضها التي لم تعد تتحمله .
وإذ كان المرض يضغط عليها ويضايقها بسبب الانتفاخ الشديد ، ترآى لها الشهيدين الكثيري الرحمة في حلم ، ووهبوا لها الشفاء التي لم تكن تأمل به ، ووصفوا لها الدواء لمرضها وأمروها أن تتبعه سريعاً .
كان الدواء عبارة عن خبز يابس ، كان هذا الخبز يخبز في قرية مجاورة تُسمى “إيراكلية” ، والتي مجرد أن قامت من نومها وطلبته أسرع الحاضرين وأتوا به إليها وبللوه في مياه النبع ، وفردوه عليها من أعلى رأسها إلى قدميها ، كما أوصاها القديسان أن تفعل .
وإذ كانت تجف هذه الخلطة من الخبز اليابس المبلل الموضوع على جسدها كانت المياه الفاسدة التي بداخلها تجف كلها وتخترق السطح بدون ألم ، وكأن الخلطة السابقة التي وضعت عليها قد استُخدمت كإسفنجة أو ماصة . وهذا الدواء لم يمتص فقط تلك المياه الكثيرة التي بداخلها ولكنه أزال عنها أيضاً منها الموت المحقق عنه .
وماريا التي كانت في حالة خطرة ، بسهولة قد تخلصت من الخطر بإلتجائها لقوة الشهيدين الذين كانوا أقوى حتى من المرض . ونحن أيضاً نرفع الشهيدان ونمجدهم على عملهم مع ماريا وكمبادرين للمعونة لكل من يلجأ إليهم بإيمان .
ترجمة: يوحنا فورتوناس وإيريني مفرودي
من المجلد 78 من سلسلة البترولوجيا