– ماريا إبنة الخادم التي لم تصاب بأي أذى عند وقوعها من ارتفاع عالي
ولنذكر أيضاً طفلة أخرى من نفس السن وبنفس الإسم . لأنه وإن كان طبيب ماهر هو الذي فعل ذلك , ما كان يستطيع أن يفعلها هكذا سريعاً , وما كان ليستخدم مثل هذا الدواء . أما هذه المعجزة فلم يكن يقدر أن يفعلها أحد الأطباء , ولا جميع البشر مجتمعين يقوموا بهذا العمل , حتى أنهم يقيمون الأموات من القبور , والأحياء من البشر يجعلونهم غير مائتين . وقد فعلوا هذه كما الآخريات بأنفسهم , هم أنفسهم وليس آخرين . كير المقدس ويوحنا رفيقه , الذين يفعلون عظائم بالنسبة للأمراض الصغيرة والكبيرة , ودائماً يهتمون بالمتألمين , وينقذون الطالبين معونتهما سواء في احتياجاتهم الصغيرة أو الكبيرة .
كانت الطفلة تُسمى ماريا , ابنة يوحنا الخادم ببيعة القديسين , كانت الطفلة بجانب نافذة صغيرة بالغرفة , حيث اعتادت والدتها أن تجلس بقربها , وكانت تعمل على المغزل وهو ممتلئ بخيوط الكتان . ولعل أخذها الفكر كما يحدث مرات عديدة , وقد شغلها أمر ضروري فاضطرها أن تترك الطفلة عند النافذة . أما الطفلة إذ قد افتقدت الاهتمام الأموي , وتخلت عن كل توجيه إيجابي أو سلبي , سقطت من النافذة المرتفعة جداً إلى الأرض . وقد أثار ذلك ضجة كبيرة بسقوط الجسم , أما الأم فإذ قد سمعت الصوت أسرعت لترى ما حدث , ناسية تماماً أنها تركت ابنتها جالسة عند النافذة حيث كانت تجلس . وإذ قد نظرت إلى أسفل رأتها مطروحة على الأرض , وإذ جاء بفكرها مباشرة منظر الجسم المطروح , صرخت بشدة وولولت وزلزلت المكان كله بصوتها , حتى وصل صوتها إلى بيعة الشهيدين السمائيين , لأن مكان البيعة كان قريب إذ أن مدخل ومخرج البيت كان من خلال البيعة . وإذ قد ركضت بدموع كثيرة اغرورقت خديها بالإضافة لجميع الذين ينظرون كانوا يبكون , وكان يُسمع من على بُعد صوت عويلها , لأنها ستتقبل ابنتها ميتة وستسلمها بالدفن للذكرى , ولكن قد وجدتها سليمة , بدون أذى أو إصابة جالسة على الأرض , وتلهو مع بعض الخنازير في ذلك المكان وغير مكترثة بالواقعة . وإذ قد رفعوها سريعاً من الأرض , وضعوها أمام بيعة القديسين تماماً , كمنقذين للطفلة تذكروهم , محتفلين بإنقاذ الطفلة , ويمجدهم كل الذين يؤمنون بهم في المسيح , كمعاونين وحراس .
ولا أظن أنه عبثاً أن نضيف على هذه الرواية ما رؤى في حلم تلك الليلة وله علاقة بذلك . فقد كان هناك كاهن يُدعى يوحنا , من القسطنطينية , ولكنه ليس أب الطفلة المذكورة , وقد جاء من سفر لأجل الشهيدين بسبب مرض رجليه . كان يعاني من تجمد بالركبة , والذي لم يستطع ولا طبيب القصر الملكي ذاته ولا بالطبع الآخرين , أن يشفوه . وإذ قد شُفي وخلص من دائه , أقسم أن يخدم في بيعة القديسين كعرفان بالجميل . وبعد ذلك تم اختيار ذاك الخادم من قِبل الشعب , ولكن بطريقة فريدة وهامة , باختيار ووصية الشهيدين , وبوضع يد البطريرك يوحنا راعي كنيسة الإسكندرية في ذلك الحين . فقال أنه إذ كان نائماً ، في ذلك الوقت ، وبينما تلك المعجزة كانت ستحدث في الغد , أنه رأى كير ويوحنا الشهيدين ومن حولهما جمع من القديسين متسربلين بلباس أبيض , وقالواله في تلك الرؤيا الآتي : تعال معنا وأبتهج بالمعجزة التي ستحدث. أما يوحنا فسأل القديسين “إلى أين يتوجه وبماذا يبتهج؟” . فقالوا له “أن يوحنا الخادم قد دعانا اليوم على العشاء , وعنده نحن جميعاً سنتعشى” . وإذ قد سمع ما قيل له هذا , أطاع الأمر الذي وُجه إليه , وتبع أولئك القديسين الذين أمروه , وعندما اجتمع الجميع مع القديسين , جلست أنا أيضاً متمماً أمرهم . وبعدما تعشيت معهم جميعاً رحلت معهم في بهائهم وكرامتهم . وإذ قد أُبهرت بالعشاء , وغنى التقوى , والرؤيا التي ظهرت لي , روتها ليوحنا الخادم بالتمام , غير عالماً بالطبع مغزى الرؤيا . ولكن مغبوط ذاك ومطوب الذي دعاهم , إذ قد وصل إلى هذه الدرجة من الاستحقاق , حتى يضيف أولئك القديسين العظماء , ويستضيفهم في بيته . وذاك الحلم ظل غير مفهوم , حتى تمت تلك المعجزة , فأوضحت معناه .
أما أنا مع ذاك وهؤلاء جميعاً مجدت القديسين , لأن كثيرين بالحقيقة قالوا عن تلك المعجزة التي للعشاء بأنهم تشبهوا فيما فعلوه ، بالمسيح المعلم ورب الكل فيما يفعله مع الجميع . لأنه كما بالضبط قد جلس المخلص على بئر السامرة , وقد سأله تلاميذه أن يأكل , فقال لهم : أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم , وقد قال عن طعام الخلاص والفداء الذي صار لأولئك الذين يؤمنون به , طعامي أن أعمل مشيئة الآب الذي أرسلني وأتمم عمله , وليس عمل آخر أو مشيئة أخرى للآب سوى الخلاص الذي تم . وهكذا الآن يوحنا وكير الشهيدين دعوا خلاص الطفلة طعام وعشاء , منبئين عن المعجزة العظيمة التي ستحدث لها , وكأنهما يشبعون جوع أولئك للتقوى ومحبة البشر , ويمجدون استعداد أولئك النقي والحكيم .
أما نحن فقد نقلنا قصة تلك الطفلة , ولأولئك الشهداء الذين أتموا الخلاص نرسل لهم أصوات الحمد , ونسجل عنهما قصة أخرى .
“ترجمة: يؤانس فورتوناي وإيريني مفروذي
من المجلد رقم 78، الباترولوجيا”