(…) الإيمان هو ثقتي بابن الله وتصديقي كلامه المحيي، فإذا انسكب روحه فيّ يكون السيّد مصوّرًا فيّ إذ أكون قد تركت كلّ ما يعاديه فيّ، كلّ ما يخالف كلمته ليبقى وحده فيّ. شخصيّتي النقيّة، الكاملة النقاوة هي أن أكون أنا والمسيح واحدًا. عندما يتحوّل فكري إلى فكره وشعوري إلى شعوره أصبح آتيًا منه ومتكوّنًا به ولا يبقى شيء لي وشيء له بل أصير كلّي له.
(…) عندما يقول الرسول بولس: «بذل نفسه عنّي» (وليس عنّا) يبيّن أنّ المخلّص يريد أن يشعر المسيحيّ أنّه هو المحبوب، وأنّ هذه المحبّة ظهرت عند صلب المسيح. إنّه أحبّني حتّى الموت واشتراني بأثمن ما في الوجود أي دمه. ما أعظم المسيحيّة التي تقول إنّ كلّ إنسان حبيب الله كلّيًّا وهذا الحبّ يبيّن بأنّ المخلّص وضع حياته من أجل كلّ واحد. أنا إذًا غاية الله كما أنّ الله غايتي.
وربّما كان فكر الرسول هو هذا: لو كنت أنا وحدي في العالم لكان الابن نزل إلى هذه الأرض ليفتديني ويكشف بذلك طبيعة الله وهي أنّه محبّة. فأيًّا كان وضعي الصحّيّ ووضعي الماليّ أو النفسيّ، فالمرض ليس بشيء وقد يكون تعبيرًا عن افتقاد الله إيّاي، وأشعر في المرض مهما كان خبيثًا أنّ محبّة الربّ لي تغلب كلّ تعب آتٍ من المرض. وإذا خسرت مالاً كثيًرا أو مات واحد من أعزّائي، فالمسيح يلاصقني برأفته وحنانه وأتجاوز كلّ ألم من خسارة مال أو عزيز. وإذا انتابتني كآبة مضنية، فهو في وسط الكآبة وهو يرفعها عنّي وأتقبّل تعزيته في نفسي حتّى لو طال زمن الكآبة.
المسيح فيّ وليس فقط في السماء. المسيح فيّ هو كلّ قوّتي وكلّ معنى وجودي. وما عدا ذلك من الدنيا. وإذا كان هو معي فأنا في سمائه ولو بقيت فيها زمنًا طويلاً أو قصيرًا.
Raiati Archives