وُلد القدّيس تيموثاوس الرسول (عيده في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني) في مدينة لسترة من أب يونانيّ (أي وثنيّ) وأمّ يهوديّة مؤمنة (أعمال الرسل 16: 1). وعندما اعتنقت أمّه أفنيكة وجدّته لوئيس المسيحيّة أنشأتا الفتى تيموثاوس على الثبات في الإيمان الجديد. ويـشهد لـذلـك الـقـدّيس بولس الرسول حين يكتب إلى تيموثاوس: “وأتذكّر إيمانك الصادق الذي كان يسكن قلب جدّتك لوئيس وقلب أمّك أفنيكة، وأنا واثق أنّه يسكن قلبك أيضًا” (تيموثاوس الثانية 1: 5). ويظهر فضل جدّة تيموثاوس وأمّه في قول بولس: “فأنت (يا تيموثاوس) منذ طفولتك عرفتَ الكتب المقدّسة القادرة على أن تزوّدك بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بالمسيح يسوع” (الثانية 3: 15).
اختار بولس تيموثاوس (ومعنى اسمه “مَن يخاف الله”) كي يرافقه في رحلاته التبشيريّة، “وكان الإخوة في لسترة وأيقونية يشهدون له شهادة حسنة” (أعمال 16: 2). وسار تيموثاوس مع بولس وسيلا عبر آسية الصغرى ووصلوا إلى مقدونية. سلّمه بولس الإشراف على الكنيسة في أفسس: “طلبتُ منك، وأنا ذاهب إلى مقدونية، أن تبقى في أفسس لتوصي بعض الناس أن لا يعلّموا تعاليم تخالف تعاليمنا” (تيموثاوس الأولى 1: 3)، وذلك بعد وضع الرسول بولس والشيوخ أيديهم عليه: “لا تهمل الموهبة التي فيك، فهي موهبة نلتَها بالنبوّة حين وضع جماعة الشيوخ أيديهم عليك” (الأولى 4: 14)، و”لذلك أنبّهك أن تضرم الموهبة التي جعلها الله لك بوضع يدي. فما أعطانا الله روح الخوف، بل روح القوّة والمحبّة والفطنة” (الثانية 1: 6-7).
كتب الرسول بولس رسالتين إلى تيموثاوس، فيدعوه “ابني الحقيقي في الإيمان، عليك النعمة والرحمة والسلام” (الأولى 1: 2)، و”ابني الحبيب” (الثانية 1: 2). تتضمّن هاتان الرسالتان توجيهات رعائيّة وتعليميّة في كيفيّة إدارة شؤون الجماعة المؤمنة وتثبيتها على أسس الإيمان المستقيم. فبولس يشجّع تيموثاوس، من حيث إنّ هذا الأخير مسؤولاً عن الكنيسة، على محاربة التعاليم المنحرفة التي بدأت تتسرّب إلى بعضهم، ويدعوه إلى الثبات في الإيمان وحفظ التعليم الذي تسلّمه، وينصحه بأن يعلّم المؤمنين بحسب أعمارهم وظروف حياتهم، ويحضّه على أن يكون مثالاً للرعيّة بفضائله وحسن سلوكه وأعماله الصالحة.
إذًا، بقي تيموثاوس في أفسس ليقف بوجه التعاليم الضالّة التي يجهر بها مَن “زاغوا عن المحبّة الصادرة عن قلب طاهر وضمير صالح وإيمان صادق، وانـحرفـوا إلى الكـلام البـاطـل مـدّعيـن أنـّهم مـن مـعـلّمي الشريعة وهم لا يـفـهمون ما يـقولـون وما يؤكّدون” (الأولى 1: 5-7)، وليجاهد خير جهاد “بالإيمان والضمير السليم الذي رفضه بعضهم، فانكسرت سفينة إيمانهم” (الأولى 1: 18-19). وذلك تلبيةً لوصيّة بولس إليه: “فاعملْ بالأقوال الصحيحة التي سمعتها منّي، واثبتْ في الإيمان والمحبّة التي في المسيح يسوع. إحفظ الوديعة الصالحة بعون الروح القدس الذي يسكن فينا” (الثانية 1: 13-14)، وأيضًا: “فاثبتْ أنت على ما تعلّمتَه علم اليقين عارفًا عمّن أخذتَه” (الثانية 3: 14).
يكتب بولس الرسول إلى تيموثاوس موجزًا بالإيمان المسيحيّ، فيقول: “إنّ الله مخلّصنا الذي يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحقّ، هو واحد، والوسيط بين الله والإنسان واحد هو المسيح يسوع الإنسان الذي ضحّى بنفسه فدًى لجميع الناس” (الأولى 2: 4-6). ويذكّره بأنّ الكنيسة هي حافظة الإيمان المستقيم: “عليك أن تعرف كيف تتصرّف في بيت الله، أي كنيسة الله الحيّ، عمود الحقّ وقاعدته. ولا خلاف أنّ سرّ التقوى عظيم: الذي ظهر في الجسد وتبرّر في الروح، شاهدته الملائكة، كان بشارة للأمم، آمن به العالم، ورفعه الله في المجد” (الأولى 3: 15-16).
يطلب بولس من تيموثاوس أن يكون “قدوةً حسنة” للمؤمنين “في الكلام والتصرّف والمحبّة والإيمان والعفاف” (الأولى 4: 12). وهذا يستوجب التغذّي بكلام الإيمان والتعليم الصحيح، وتجنّب الخرافات الباطلة، وترويض النفس بالتقوى، والمواظبة على القراءة والوعظ والتعليم، وتكريس النفس، و”الرجاء بالله الحيّ الذي هو مخلّص الناس جميعًا، وبخاصّة الذين يؤمنون” (الأولى 4: 6-16). وهذا يستوجب أيضًا، كما كتب إليه بولس: “تجنّبْ أهواء الشباب واطلبْ البرّ والإيمان والمحبّة والسلام مع الذين يدعون الربّ بقلوب طاهرة. وابتعد عن المماحكات الغبيّة الحمقاء، لأنّها تثير المشاجرات كما تعرف. فعلى خادم الربّ أن لا يكون مشاجرًا، بل رفيقًا بجميع الناس، أهلاً للتعليم، صبورًا، وديعًا” (الثانية 2: 22-25).
يوصي بولس الرسول تيموثاوس بما يراه واجبًا أن يحصل عليه كلّ مؤمن بالربّ يسوع: “اطلب البرّ والتقوى والإيمان والمحبـّة والصبـر والوداعـة. وجـاهد في الإيمان جـهادًا حـسنًا، واظـفر بـالحياة الأبديّة التي دعاك الله إليها وشهدت لها شهادة حسنة (…) احفظ الوصيّة منزّهًا عن العيب واللوم إلى يوم ظهور ربّنا يسوع المسيح (…) احفظ الوديعة وتجنّب الكلام الفارغ والجدل الباطل الذي يحسبه الناس معرفةً. وحين اتّخذه بعضهم زاغوا عن الإيمان” (الأولى 6: 11-21). لقد حفظ تيموثاوس الوديعة بأمانة التلميذ الذي لا يصغي إلاّ لصوت المعلّم الوحيد، يسوع المسيح، الناطق في كنيسته بالحقّ والحياة.