قارئ الكتاب المقدّس يعرف أنّ أوّل جريمة في تاريخ البشريّة هي عندما قتل قايين أخاه هابيل. وفي الوقت عينه نقرأ أنّ أوّل سؤالٍ يسأله الله بعد سقوط آدم وحواء هو سؤاله قايينَ عن أخيه:
فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟»» (تكوين ٤: ٩).
جواب قايين لا يدينه فقط، بل يؤكّد المعادلة الإلهيّة التي شاءها الله بين البشر: الإنسانُ، كلّ إنسانٍ، هو حارسُ لأخيه. وقد برهن الربّ ذلك عندما تجسّد وصار أخا البشر أجمعين، ليحميهم ويحرسهم، لا بل ويفدي ذاته من أجلهم.
فالربّ لم يكتفِ بما يملك بل شارك الإنسانَ في ما يملك من ألوهة.
وبذلك أرسى معايير إيماننا، أي أنّنا مسؤولون عن إخوتنا ونشاركهم في ما نملك.
نحن إذًا لا نحيا لذاتنا، بل لأجل الآخر وننظر إلى حاجاته وكأنّها حاجاتنا.
قد يتساءل المرء، كيف لي أن أعرف حاجات أخي؟
الربّ سهّل لنا هذا الأمر بأجلى بيان في إنجيل الدينونة (متّى ٢٥). ما نفعله بالمريض والجائع والعريان والفقير والمسجون… هو ترجمةٌ لمسؤوليّتنا عن أخينا. والله سيحاسبنا على هذه المسؤوليّة يوم الدينونة.
ولنا أمثولةٌ في تراثنا الرهبانيّ توضح هذا الأمر أيضًا. عندما يقعد الرهبان إلى مائدة الطعام لا يطلب الراهب شيئًا له. هذا ليس تمرّسًا على العفّة فقط. الفكرة أعمق. الراهب يراقب أخاه إن كان بحاجةٍ إلى شيء فيقدّمه له، ويتّكل على مراقبة أخيه الراهب لحاجاته أيضًا.
من هنا يجب أن أنتبه دومًا إلى حاجات أخي. لا أنتظر أخي أن يطلب. دينونة لي إن طلب أخي، فهذا يعني أنّي لا أنتبه له.
هذه هي بساطة الحياة المسيحيّة: أن نلاحظ حاجات الآخرين ونخدمهم.
إن تمرّسنا على خدمة الآخرين ننسَ الأنا ونعتبر أنّ وجودنا يأتي من اهتمام أخي بي واهتمامي به.
هكذا يدخل أخي قلبي وأنا قلبه.
هذا هو سرّ الوجود. هذا هو سرّ الحبّ.
أخوك مسؤوليّتك وأنت مسؤوليّة أخيك. يدك تؤمّن حاجات أخيك، وقلبك يحمله في الصلاة.
ومتى سألك الله عن أخيك، أجبه: يا ربّ، أنا لا أريد أن أكون فقط حارسَ أخي، يا ربّ أريد بمعونتك أن أكون أيضًا ملاكه الحارس
هل أنا مسؤولٌ عن أخي؟