(…) أن أُحبّ نفسي هذا الحبّ الممدوح ليس أن أحبّ فرديّتي بأخطائها وغرورها، بل أن أحبّ هذا الكيان العميق في ذاتي كما خرج من يد الله وكما سيكون إذا افتداني الله برحمته. هذه الشخصيّة النورانيّة التي فيَّ، وقد غطّتها نواقصي وأسرتها أوهامي، بذور القداسة كامنة فيها. هذا الأبديّ فيَّ، اسمي الإلهيّ، كما يقول ابن عربي، هذا هو منطلقي. هذا التضارب بين الأنا المقيت، هذا الذي يسبيني إلى الغرور، ونفسي المطمئنّة إلى نورها وصفائها أقدِرَت على أن تعاين الله عبر نورها أم لم تقدر.
كلّ نفس، ما لم تمرض بتعذيب ذاتها، متحابّة. الإنسان يحنّ إلى الهناء والاستقرار والفرح، إلى وجود لا يشوبه الانحدار. فالمؤمن يعرف أنّه الآن يصلّي أو يتمتم كلمات. يعرف أنّ فعله صادر عن ذاته أو عن هذه القشرة التي تغلّفه. وكذلك الشاعر يحسّ أنّه كان نفسه أو لم يكنها.
هذه الشخصيّة التي ندركها فينا يقول المسيح إننّا محبّوها بالطبع. يطلب منّا أن نحبّ الغير كما نحبّها. أن نحبّ هذا الخير الذي هو في سوانا. ألمسْناه أم لم نلمسه. أن نؤمن بحقيقة الآخر وأن نجعله ساعيًا إليها لأنّها بالنهاية صورة الله. المهمّ ألّا يحول شرّ الغير دون رؤيتنا الزرع الذي حرثه الله فيه.
إذا أدركنا أنّ اللقاء بين البشر هو بين الألوهة التي فيّ والألوهة التي في غيري فلا يبقى من أثر للسؤال: كيف أحبّ قريبي كنفسي؟ أنا وقريبي كلانا مقرٌ للإله. وفي الرؤية الصافية أنا محبّ فقط لهذا الإله الموزَّع في النفوس بدون انقسام. كلّ نفس عرشه. أحبّها لكي تدرك ذلك، لكي ترفع عنها الغشاوة التي كانت تحول دون معرفتها هذا الأمر الذي يستحقّ كلّ اهتمامها
Raiati Archives
محبّة النفس
للمطران جورج خض