في مثل الابن الضالّ، نظر الابن إلى ما يملكه أبوه فطالبه بما يعود إليه شرعًا من الميراث، وأن يكون لديه حقّ الملكيّة والانتفاع بآن، بحيث يستقلّ عن أبيه ويعيش كما يحلو له. كانت الخيرات بالنسبة إلى الأب مجرّد واسطة ووسيلة لبناء علاقة مع ابنه، فالمهمّ بالنسبة إليه هو حياة ابنه، لذا لبّى طلب ابنه وتركه أمام امتحان حرّيّته وخياراته.
فطن الابن إلى أبيه عندما خسر كلّ شيء، سواء المادّيّات أو العلاقات المسيئة إليه، وانكشفت له حقيقة نفسه لـمّا وجد نفسه يعيش حياة تشبه حياة الخنازير. ساعتها أتى إليه تائبًا وآخذًا رتبة الأجير، عازمًا على العمل بيدَيه عوضًا من أن يتنعّم بمال أبيه. نظر الوالد إلى العائد إليه نظرة الأب إلى ابنه الحبيب، عارضًا عن سوء سيرته والخطأ في خياراته، وعامله على أساس الرتبة والكرامة التي هي له في عينَيه، والتي هدرها الابن بسلوكه.
أراد الأب أن يزكّي في الابن استعداده الجديد ليتعهّد نفسه، باستعداد الأجير الذي يعمل ويكدّ ولكن بكرامة الابن التائب في حمل نير الخدمة والمسؤوليّة على مثال أبيه. بهذا حصّن حرّيّة ابنه ودعمه في خياراته الجديدة في الحياة. لهذا فرح لأنّه «كان ميتًا فعاش وكان ضالًّا فوُجد» (لوقا ١٥: ٢٤).
أمّا الأخ الأكبر فلم يعانِ من انتهازيّة أخيه في تدبير أموره عندما ترك أبيه، ولا من تجاربه في الحياة المترفة والمتنعّمة. كان مثال الجدّ والكدّ والنزاهة. تمحورت تجربته حول ما يعود إليه من اعتبار لقاء مناقبيّته في الخدمة وأمانته لأبيه. هي في الظاهر مطالب مشروعة ومحقّة، تحت غطاء أنّه مظلوم وحقّه مهضوم. أمّا نظرة الأب إلى ابنه البكر فذكّرت هذا الأخير بوحدة الحال التي تجمع كلَيهما: «كلّ ما لي فهو لك»، وكذلك بوحدة الرباط التي تجمعهما معًا بأخيه الأصغر: «كان ينبغي أن نفرح ونسَرّ لأنّ أخاك هذا…» (لوقا ١٥: ٣١ و٣٢).
هكذا التقى الأخوان في المثل، من حيث لا يدريان، في أنّهما في غربة عن أبيهما، سواء أكان الواحد قريبًا منه أو الآخر بعيدًا عنه. طالبا بحقوق ظنّا أنّها تجوز لهما ليتنعّما بها بمعزل عن أبيهما. أمّا الأب فعلّمهما أن يجدا طريق الفرح الحقيقيّ في قلبهما وفي ربطهما، الأخويّة والبنويّة على حدّ سواء. فكان عرّاب الفرح الذي يجمعنا إلى مائدة واحدة.
لا نختلف عن هذَين الأخوَين بشيء في علاقتنا مع بعضنا البعض ومع الله. سطّر هذا المثل حقيقتنا وعرّى فينا دوافعنا الحقيقيّة لينقّيها من الأذيّة الكامنة في معنى خفّة الابن الأصغر وفي جدّيّة الابن الأكبر، دوافع ممزوجة بالأنانيّة، بحبّ اللذّة في الحالة الأولى وبحبّ الذات في الحالة الثانية. فهل نتخلّى عن طيشنا أو عن برّنا الذاتيّ، لنتبنّى، رغم كلّ شقاء نعيش فيه، سواء المادّيّ أو المعنويّ، أساسًا جديدًا لحياتنا مبنيًّا على محبّة الآب لنا؟ هلّا تركنا للربّ أن يعمّد دوافعنا الجديدة، تلك المبنيّة على توبتنا، التي نرجوها صادقة، إليه؟ حمدًا لله فهو بانتظارنا (لوقا ١٥: ٢٠)!
+ سلوان مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ١كورنثوس ٦: ١٢-٢٠Αποστολικη 1- Κορ.6:12-20
يا إخوة، كلّ شيء مباح لي ولكن ليس كلّ شيء يوافق. كلّ شيء مباح لي ولكن لا يتسلط عليّ شيء. إنّ الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، وسيُبيد الله هذا وتلك. أمّا الجسد فليس للزنى بل للربّ والربّ للجسد. والله قد أقام الربّ وسيُقيمنا نحن أيضًا بقوّته. أما تعلمون أنّ أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ أفآخذ أعضاء المسيح وأَجعلها أعضاء زانية؟ حاشى. أما تعلمون أنّ من اقترن بزانية يصير معها جسدًا واحدًا لأنّه قد قيل يصيران كلاهما جسدًا واحدًا. أمّا الذي يقترن بالربّ فيكون معه روحًا واحدًا. اهربوا من الزنى، فإنّ كلّ خطيئة يفعلها الإنسان هي في خارج الجسد، أمّا الزاني فإنّه يخطئ إلى جسده. أَم ألستم تعلمون أنّ أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم الذي نلتموه من الله، وأنّكم لستم لأنفسكم لأنّكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.
الإنجيل: لوقا ١٥: ١١-٣٢Ευαγγελικη Λκ. 15: 11-32
قال الربّ هذا المثل: إنسان كان له ابنان. فقال أصغرهما لأبيه: يا أبتِ أَعطني النصيب الذي يخُصّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعـد أيّام غير كثيرة جمع الابنُ الأصغر كلّ شيء له وسافر إلى بلد بعيد وبذّر ماله هناك عائشًا في الخلاعة. فلمّا أَنفق كلّ شيء حدثت في ذلك البلد مجاعة شديدة، فأخذ في العوز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يُعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أجراء يفضُل عنهم الخبز وأنا أهلك جوعًا. أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك، ولستُ مستحقًّا بعد أن أُدعى لك ابنا فاجعلني كأحد أُجَرائك. فـقام وجاء إلى أبيه، وفيما هو بعد غير بعيد رآه أبوه فتحنّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عنقه وقبّله. فقال له الابن: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك ولستُ مستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: هاتوا الحُلّة الأُولى وأَلبِسوه، واجعلوا خاتمًا في يده وحذاء في رجليه، وأْتُوا بالعجل الـمُسمّن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأنّ ابني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًّا فوُجد. فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبر في الحقل. فلمّا أتى وقرُب مـن البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغلمان وسأله: ما هذا؟ فقال له: قد قَدِم أخوك فذبح أبوك العجل الـمسمّن لأنّه لقيه سالـمًا. فغضب ولم يُرِد أن يدخُل. فخرج أبوه وطفق يتوسّل إليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنين أَخدمك ولم أَتعدَّ لك وصيّة قطّ، وأنت لم تُعطني قطّ جدْيًا لأفـرح مع أصدقائي. ولـمّا جاء ابنُك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحتَ له العجل الـمسمّن! فقال له: يا ابني أنت معي في كلّ حين وكلّ ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسَـرّ لأنّ أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًّا فوُجد.
عرّاب فرحنا أمام تمسّكنا بما يعود إلينا