لنقل الأشياء كما هي. إذا استثنينا بعض الجماعات النهضويّة (في كنيستنا الأرثوذكسيّة وغيرها) التي تعنيها القداسة هدفًا للحياة، الزواج، عند معظم الناس، بات شأنًا تحكمه قواعد الدنيا.
قليلاً ما سمعتُ اثنين، (أي شابًّا وفتاةً مقبلَيْن على الزواج)، يذكران الله هدفًا لهذا اللقاء السرّيّ الذي ينتظران أن يتمّ لهما. الزواج عاد معظمُ الناس يرونه لقاءً من لحم ودم. وهذا، من دون إسقاط أو مبالغة، يأتي من كون معظم الناس لم يتربّوا على أنّ الله، هدفًا، هو الحياة كلّها. أيّ شابّ (أو شابّة)، إذا نظر بموضوعيّةٍ إلى منزل ذويه، فسيلاحظ، في معظم الأحوال، أن ليس لله موقع فيه. وهذا له دلالاته. لا يتعلّم الإنسان إن لم يرَ ما يُراد له أن يعرفه يحيا معه كما لو أنّه شريكه في غرفة واحدة. الإيمان رؤًى.
أجل، أهزأ بنا. خير لنا أن نهزأ بأنفسنا قبل أن يحلّ زمان الخزي الذي أسرّ إلينا يسوع، في إنجيله المبارك، بأنّه آتٍ سريعًا. هل أدعو إلى الاستسلام إلى ما نحن عليه بانتظار الآتي؟ لا، بل إلى التوبة!
بهذه الكلمات القليلة، قلتُ ما عندي عمّا وددت قوله هنا. فالذي يبدو أنّه يخصّ الله، أي يحيا له، هو الذي نقبله زوجًا. لا تقوم الحياة على الناس، أيًّا كانوا. اختيار شخصّ يحيا لله هو إعلاننا أنّنا نأبى الأصنام. مَن لا يحيَ لله، يحيَ لشيء آخر. أمّا الذي يحيا لله، أي يأتي منه في كلّ شيء، فهذا تُحيينا شركة الحياة معه. هذا لا يحيا لنفسه. إن قرأتم الإنجيل، فستجدون أن ليس لله مع الذين يحيون له سوى كلمة واحدة: أحبّوا الناس كما لو أنّهم أنا. هذا مسرى صراعنا ضدّ الأصنام. الأصنام انغلاق. لا يمكن لأحد في الكون، غير الله، أن يدعوك إلى أن تحبّ الآخرين مثلما تحبّه. هذه وصيّته (متّى ٢٢: ٣٩).
سأذكر مثلاً عمّا أقوله. الإنسان، الذي يحبّ الله، يطيعه (يوحنّا ١٤: ٢١). اجمع لي اثنين يطيعان الله، واثنين يطيع كلّ منهما نفسه أو قناعته أو الآخر الذي يحيا معه، وتعال لنرى أيًّا من الاثنين حياته رؤية! كلّ قضيّة الزواج أن يُطاع الله. أساسًا، الكنيسة تبنّته إطارًا للطاعة. أليس الزواج شركة؟ الكنيسة شركة. هذه، صفة للزواج، أُخذت من حياة الكنيسة. إذًا، ما يُقال عن الكنيسة، يُقال عن الزواج. ألم يأخذ تراثنا صورة الزواج، ليشير إلى العلاقة بين الله وشعبه؟ وألم يسمِّ «العائلة كنيسة»؟
لا يعوزني أن أدافع عن حقّ ما أقوله إن اشتمّ قارئ في سطوري تقليلاً من قيمة الحبّ البشريّ. فالحياة صعبة بل مستحيلة إن لم تجمعنا محبّةُ بعضِنا بعضًا، في الزواج وغيره. لكنّ خياري، الآن، أن أتكلّم على الثابت. هؤلاء الناس، الذين قرّروا أن ينفصلوا بعد زواج دام مدّةً قصُرت أو طالت، ألم يحبّوا بعضهم بعضًا؟ لِم لم يكملوا ما بدأوه، إذًا؟ قلت جوابي. الزواج الدائم، أي الذي الله يريده دائمًا، هو الذي يُبنى على الثابت، أي على الله نفسه. وهذا، أكرّر، ليس تقليلاً من قيمة محبّتنا البشريّة. الذين يفهمون لا يفصلون الحبّ عن الله! إن أطاعوا دعوتهم في محبّة الآخرين، (التي هي وصيّة الله، كما قلنا الآن)، إنّما يحبّون الله فيهم. هذا شأن لا يفهمه سوى الذين أخصبهم الروح القدس بطاعته في هذه الحياة!
تكلّمت على طاعة الله الآن. ما عنيته أن تطاع كلمته. الحياة، التي نطيع فيها الكلمة، أي التي نأتي فيها منها في جميع أمورنا المشتركة، هي شيء آخر فعلاً. لنأخذ مثلاً الغضب الذي انوجد فينا من أجل أن نبطل شرورنا. الكلمة، في أمر الغضب مثلاً، تأبى كلّ غضب لا سقف له (أي لا تُحكَم نهايتُهُ وفق كلمة الله). ما معنى أنّك، إن اختلفت وزوجتك على أمر، أن تمدّ خلافكما يومًا وأيّامًا؟ ألا تعلم أنّ كلّ لحظة
خلاف حُبلى بلحظات، بل ربّما بالعمر كلّه؟ كلمة الله تقول: «لا تغرب الشمس على غضبكم» (أفسس ٤: ٢٦). المسيحيّ ليس له مصدر آخر، ليداوي به خطاياه وانفعالاته. هذه الكلمة هي دواء لكلّ داء.
متى قرّر مسيحيّ أن يتزوّج، يجب أن يفكّر في فتاة (أو أن تفكّر هي في شابّ) تأتي من محبّة الله. فكر العالم غربة. هذا مصيرنا إن لم نسعَ إلى أن نحرّر أنفسنا منه. كلّنا مسؤولون عن هذا السعي، أي عن أن نربّي أنفسنا عليه، لنكون أيقونةً للمحبّة التي تأتي من الله. لا نقل إنّ هذه السطور تدعونا إلى المستحيل، بل إلى استعادة مشيئة الله الذي خلَقَنا ذكرًا وأنثى، لنكون، ويكون هذا العالم كلّه أفضل.
اختيار الزوج