5 . أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار كشقق (جلود) سليمان.
6 . لا تنظرن إليَّ لكوني سوداء، لأن الشمس قد لوحتني (تتطلع إليَّ بغضب). بنو أمي غضبوا عليَّ، جعلوني ناطورة (حارسة) الكروم؛ أما كرمي فلم أنطره (أحرسه).
7 . اَخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى تربض عند الظهيرة. لماذا أنا أكون كمقنَّعة عند قطعان أصحابك؟!
8 . إن لم تعرفي نفسك، أيتها الجميلة بين النساء، فاُخرجي على آثار الغنم، واِرعي جداءك عند خيام الرعاة.
جمال الخيمة الداخلي
[منظر خيمة الاجتماع عجيب، من الخارج مغطاة بجلود ماعز وكباش، أما من الداخل مملوء بهاءً. هكذا سفر النشيد، الذي فيه يجتمع الله بكنيسته، كما في حجال العرس. من الخارج كلمات لا يدرك الأطفال في الإيمان أسرارها، أما في أعماقها فتسبحة حب زيجي لا يُعبر عنها!
سفر النشيد يمثل حياة المؤمن الحقيقي، من الخارج ضعفات وألآم مُرة، ومن الداخل بهجة ونور سماوي عجيب.]
المنظر الخارجي لخيمة الاجتماع المقدسة لا يُقارن بمدى كرامة الجمال الخفي داخلها. كان الغطاء الخارجي للخيمة مصنوعًا من نسيج الكتان ومن شعر الماعز (خر 26: 7)، وأيضًا لفائف حمراء (جلود) وقد أُضيفت إلى زينة الخيمة الخارجية. لم يُرَ أي شيء آخر خلاف ذلك ذو قيمة ثمينة بالنسبة للمنظر الخارجي للخيمة. أما عن داخل خيمة الشهادة فقد تلألأت بالذهب والفضة والأحجار الكريمة (عب 9: 2-5). كان هناك أعمدة وقواعد وتيجان للأعمدة، مبخرة، مذبح، سرج، تابوت، منارة، كرس الرحمة، المرحضة، والستائر في الداخل. كانت الستائر الجميلة مصنوعة من ألوان متنوعة من الصباغة الفنية: ونسيج ذهبي مطرز بأناقة بأيدي صنَّاع مهرة باللون بالاسمانجوني والأرجوان والكتَّان والقُرمز وممزوجة بكل مادة لتجعل الفسيح يلمع مثل شرائط قوس قزح.
إن سبب هذه البداية (أي وصف خيمة الاجتماع) سوف يصير جليًا عندما تواصل قراءة الآتي. مرة أخرى نجد في سفر النشيد مرشدًا لنا لكل نوع من الفلسفة والمعرفة لله. نشيد الأناشيد هو خيمة الاجتماع الحقيقية حيث نجد أن ستائرها، وجلودها، وأغطية فنائها الخارجي ما هي إلا تعبيرات حب. إنها توضح الموقف بالنسبة للشيء المشتهى فيما يتعلق بالوصف الجمالي، وذكر الأعضاء الجسدية الظاهرة خارجيًا والتي تحجبها الأغطية عن العين.
حقًا إن المحتويات الداخلية للخيمة لها بريق فائق ومملوءة بالأسرار. هناك رائحة البخور الذكية، التكفير عن الخطية، ومذبح الذهب الصلب الذي للتقوى، والستائر الجميلة المنسوجة بأناقة من ألوان الفضيلة المملوءة صلاحًا، أعمدة الحكمة الراسخة، وقواعد العقيدة التي لا تتزعزع، روعة الأكاليل التي تشير إلى النعمة في التدبير الروحي، والمرحضة الروحية وكل ما يمت بصلة للحياة السماوية غير الجسدية. مثل هذه الأشياء يستخدمها الناموس كمثل من خلال رموز غامضة. كل هذه الأشياء يمكن أن نجدها بطريقة ملموسة إذا ما أعددنا أنفسنا بمثابرة للدخول إلى قدس الأقداس بعد أن نتطهر من دنس الأفكار المخزية بالغسل خلال الكلمة. وإلا فإننا نحرم من رؤية الروائع التي بداخل الخيمة، لأننا قد لمسنا أفكار فاسدة على خلاف وصية الناموس أو قد قبلنا أفكارًا غير طاهرة (ا بط 3: 21). إذ أن ناموس الروح يمنع دخول مثل هذه الأشياء وأمر بأن الشخص الذي يسمح بدخول أفكار مقيتة ودنسة إلى قلبه عليه أن يغسل ضميره منها بحسب وصية موسى (عد 19: 11).
أنا سوداء وجميلة
ما قلناه بشأن خيمة الاجتماع يقودنا إلى التأمل في كلمات العروس التي وجهتها للعذارى: “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار كشقق سليمان” [ع5].
يليق بالمدرس أن يبدأ بداية حسنة بشرح ما هو صالح لتلاميذه. مثل هذه النفوس التي تأهلت أن تتفهم مثل هذه الرموز تتكلم مجازيًا عن الخمر. إنهم يفضلون أن يروه متدفقًا من ثدييّ العريس الروحيين كنعمة إلهية. وهكذا يقولون، “نذكر حبك أكثر من الخمر، بالحق يحبونك“. ثم تسترسل العروس في حديثها مع تلاميذها، فتتحدث عن حقيقة مدهشة عن نفسها حتى نستطيع أن نعلم مدى عظمة حب العريس لبني البشر الذي أضفى جمالاً على العروس المحبوبة من خلال مثل هذا الحب. تقول: “لا تتعجبوا أن الحق أحبني”. بالرغم من أني صرت سوداء بسبب الخطية ومكثت في الظلال بسبب أعمالي، فإن العريس قد جعلني جميلة من خلال حبه، إذ استبدل جماله بعاري (إش 53: 2-3؛ في 2: 7). بعد أن حمل دنس خطيتي، سمح لي أن أشاركه في طهارته وأضفي على جماله. حوّل منظري المنفر إلى جمالٍ، أظهر لي حبه.
العروس كمثال للعذارى
[تطلب العروس كأم من العذارى كبنات لها أن يتشبهن بها، فقد كانت كخيام قيدار وقد تحولت إلى ستائر هيكل سليمان العظيم… تطلب ألا ييأسن بسبب فساد حياتهن، فقد كانت مثلهن لكن بحب الحق (المسيح) لها تغيرت طبيعتها من السواد إلى الجمال الروحي السماوى.]
بعد هذه الكلمات تحث العروس بنات أورشليم أن يكن جميلات مثلها. إنها تظهر جمالها بنفس أسلوب بولس الرسول الذي يقول: “لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا” (1 كو 7:7). وأيضًا “فأطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي” (1 كو 4: 16). لذلك تعمل العروس على ألا تقع نفوس العذارى اللآتي التزمت بهن في اليأس من أن يصرن جميلات بسبب فساد حياتهن الأولى؛ بل بالأحرى يتعلمن باتباع مثل العروس فإن حياتهن الحالية إذا ما كانت بلا لوم تصير ساترًا لأسلوب حياتهم السابق (إش 65: 17؛ 2 كو 5: 17).
تقول العروس إنه بالرغم من أنها الآن تشع جمالاً بسبب حب الحق لها، إلا أنها لا تنسى كم كانت سوداء في بداية حياتها بسبب فساد حياتها حينذاك. بالرغم من أني كنت سوداء فإنني الآن جميلة المنظر إذ تحولت صورة الظلام إلى جمال. يا بنات أورشليم اُنظرن إلى أمكنَّ، أورشليم العليا. إذ ما كنتن يومًا ما خيام قيدار بسبب سكنى رؤساء قوات الظلمة فيكن (كلمة “قيدار” تشير إلى الظلمة)، سوف تصرن “شقق سليمان”، أي تصرن هيكل الملك (1 كو 3: 16) وسليمان الملك يسكن فيكنَّ.
نور بعد ظلام
سليمان الذي يعني اسمه “سلامًا”، هو مملوء سلامًا. إن خيمة سليمان تشير جزئيًا إلى الغطاء الكلي للخيمة الملوكية. أظن إن بولس الرسول العظيم (5: 8) يحب مثل هذا التفسير حيث أنه في رسالته إلى رومية يوصينا بحب الله. بالرغم من إننا صرنا ظلمة بسبب الخطية فإن الله قد أضفى علينا جمالاً وبهاءً من خلال نعمته الفائقة. عندما يسود الليل ويكتنف الظلام كل شيءٍ نجد أنه رغم أن بعض الأشياء تصير مضيئة بالطبيعة إذ حلّ النهار فإن مقارنتها بالظلمة لا تنطبق على الأشياء التي كانت معتمة قبلاً بالسواد. وهكذا تعبُر النفس من الخطأ إلى الحق، وتتبدل صورة حياتها المظلمة إلى نعمة فائقة. انتقل بولس الرسول عروس المسيح من الظلمة إلى النور، إذ يقول لتلميذه تيموثاوس (1 تي 1: 13)، كما العروس لوصيفتها، أنه قد صار مستحقًا أن يكون جميلاً، لأنه كان قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا ومظلمًا. ويقول بولس الرسول أيضًا إن المسيح جاء إلى العالم لينير للذين في الظلمة. إن المسيح لم يدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة، الذي جعلهم يضيئون كأنوار في العالم (في 2: 15)، بحميم الميلاد الثاني الذي غسلهم من صورتهم السوداء الأولى.
نظر داود إلى العلا وبدهشة شاهد منظر المدينة المدهش (مز 86: 5) بابل مدينة الله التي قيل عنها أمور مجيدة؛ ذكرت راحاب الزانية والقبائل الأممية وصور وأثيوبيا أيضًا في أورشليم السمائية. لن يقترب أحد بعد من أهل هذه المدينة المهجورين البؤساء، قائلاً: “ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان وُلد فيها” (مز 86: 5). صار البابليون من أهل أورشليم، والزانية صارت عذراء، الأثيوبيون صاروا لونهم أبيض عوض السواد وصارت صور المدينة العليا. وهكذا فإن العروس تشجع بنات أورشليم بحماس إذ تصف لهم صلاح العريس الذي يستلم النفس السوداء ويردها إلى صورة الجمال الأول بالشركة معه. إذن من كان “كخيام قيدار” يصير مسكنًا مضيئًا لسليمان الحقيقي، أي يسكن فيه ملك السلام. لذلك يقول النص: “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم“. وجميعكم الذين تنظرونني تصيرون كشقق سليمان حتى وإن كنتم قبلاً “كخيام قيدار”.
أنا سبب سوادي!
ثم يضيف النص بعض الكلمات الأخرى ليقوِّي أذهان الدارسين. إن سبب سوادها لا ينسب إلى الخالق، بل منبعه هو الإرادة الحرة لكل إنسان. “لا تنظرن إليّ لكوني سوداء“؛ فلم أكن هكذا منذ البدء، لأنه لا يُعقل إن العروس التي شُكلت بأيدي الله تكون سوداء. “لذلك لم أكن سوداء” تقول العروس، “لكنني صرت هكذا”. لست سوداء بالطبيعة لكن قد لحقني العار، إذ أن الشمس قد لوَّحتني فتغير لوني من اللون الأبيض البرَّاق إلى السواد: “لأن الشمس قد لوَّحتني“.
ماذا نتعلم من هذا؟ يقول الرب للجموع في المثل (مت 14: 3-7) إن الزارع الذي يزرع كلمة الله لا يزرعها في القلوب الجيدة فقط بل أيضًا في الحجرية والمليئة بالأشواك؛ حتى وإن كان هذا القلب على الطريق ويداس بالأقدام فإن الرب يلقي بذار الكلمة للجميع بسبب محبته للبشرية.
في شرحه لخاصية كل نفس، يقول السيد المسيح إن نفس الأمر يحدث في النفس الحجرية، حيث لا تجد البذرة لها عمق أرض وإذ تنبت حالاً تنبئ بالأثمار، ولكن إذ تشرق الشمس تحترق إذ لم يكن لها أصل تجف. تمثل الشمس التجربة. وهكذا نتعلم من السيد المسيح الآتي: الطبيعة البشرية كانت صورة من النور الحقيقي، بعيدة كل البعد عن الظلمة، وكانت مضيئة كمثل الجمال الأصلي، أي الإلهي (تك 1: 27).
هكذا فإن التجربة المحرقة المخادعة تعصف بالنبتة الأولى الرقيقة التي ليس لها جذور بعد. وذلك قبل أن تبلغ هذه النبتة أيّ حالة جيدة، وقبل أن يكون لها الفرصة أن تمتد بجذورها في عمق الأرض نتيجة لرعاية الفلاح لها، يأتي العصيان سريعًا فتجف البرعمة الخضراء في الحال. إن التجربة قد جعلتها سوداء بسبب الشمس المحرقة. فإذا ما قلنا أن التجربة هي الشمس فلا يُخدع أحد إذن حيث أن الكتب الإلهية الموحاة تُعلمنا ذلك في عدة مواضع.
يقدم المزمور الثاني للمصاعد (مز 120: 2) تطويبًا للرجل الذي يأخذ معونة من الرب صانع السموات والأرض، فلن تضربه الشمس في النهار (عدد 6)، وإشعياء التي إذ يتنبأ بإقامة الكنيسة (إش 60: 4؛ 66: 12) يصفها بموكب خاص. وتزداد القصة إشراقًا إذ يقول إن البنات يُحملن على الأيدي، والأطفال في مركبات مغطاة، وتحميهم مظلات من حرارة الشمس المحرقة.
خلال هذه الرموز يصف إشعياء السلوك في حياة الفضيلة. يشير بحداثة السن إلى المولود حديثًا والبريء؛ أما بالمظلات فإن إشعياء يصف حاله الوقاية من حرارة الشمس التي تليق بالأرواح النقية التي تتميز بضبط النفس.
تعلمنا هذه الأمثال أن الأرواح المخطوبة لله يجب أن تُحمل على الأكتاف، لا يمتطيها الجسد، بل هي تمتطي الجسد. عندما نسمع تعبير “مركبات مغطاة” نتذكر النعمة التي تمنح الاستنارة التي بها نصير أطفالاً. لا نمشي على الأرض بعد، بل نُحمل ونعيش حياة سماوية. عندما تطفأ الحرارة بمظلة الفضيلة تصير حياتنا مظللة وتصير مثل الندى. حينما لا تظلله سحابة الروح لتقيه من الحر (إش 4: 5-6). إن شمس التجارب هذه تحرق بشرة الإنسان فتصير سوداء، بغيضة المنظر، بسبب انقضاض تجربة ما على هذا الإنسان.
حارسة الكروم
ثم يحدثنا عن تحولنا من اللون الحسن إلى السواد: “بنو أمي غضبوا عليَّ. جعلوني ناطوره الكروم. أما كرمي فلم أنطره” [ع6].
دعني أحذر القارئ هنا ألا يأخذ هذه الكلمات بالمعنى الحرفي، بل يحاول أن يفهم المعنى الرمزي. إذا ما كان الفكر قاصرًا عن توضيح المعنى المقصود فذلك يرجع إلى ضعف الترجمة اليونانية من الأصل العبري. إن الذين يدرسون اللغة العبرية لا تواجههم مثل هذه المشكلة. إن التركيبة النحوية للُّغة اليونانية لا تقارن بأناقة العبرية، بل إنها تسبب مشاكل لأولئك الذين يتبعون القيمة السطحية للمفهوم الحرفي. هذا هو المفهوم الذي ينجلي أمامنا لهذه الكلمات على قدر فهمنا لمعانيها:
إن الإنسان لم ينقصه منذ البدء شيئًا من الهبات الإلهية؛ وقد كان دوره هو أن يحافظ على كل ما أخذه من هبات الله الصالحة لا أن يجاهد ليكتسبها. ولكن خطة عدو الخير الخطيرة قد عرَّت الإنسان إذ لم يحافظ على نصيبه من الطبيعة الصالحة التي منحها له الله.
إن الكلمات هنا بها شيء من الغموض إذ تقول: “بنو أمي غضبوا عليَّ. جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطره“.
يعلمنا النص الكثير خلال هذه الكلمات القليلة. أول ما يعلنه القديس بولس الرسول أن جميع الأشياء من الله، ورب واحد هو الآب الذي به جميع الأشياء (1 كو 8: 6). ليس لموجود ما كيان إلا خلاله ومنه. “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 3). بما أن الله هو صانع جميع الأشياء فإذًا الكل “حسن جدًا” (تك 1: 31)، لأنه قد عمل كل الأشياء بحكمة. أعطى الله الطبيعة العاقلة نعمة حرية الإرادة، وأنعم على الإنسان القدرة على تحديد ما يريده حتى يسكن الصلاح في حياته، ليس قسرًا ولا لا إراديًا بل نتيجة للاختيار الحر. إن تمتعنا بحرية الإرادة يؤدي بنا إلى اكتشاف حقائق جلية. في طبيعة الأمور، إذا ما أساء أحد استخدام مثل هذه الإرادة الحرة فإنه بحسب كلمات الرسول يصير مثل هذا الشخص مخترعًا لأعمال شريرة (رو 1: 30). كل من هو من الله يُعد أخًا لنا، أما الذي يرفض الاشتراك في أعمال الصلاح بكامل إرادته إنما هو يبث الشر. إذ يصير “أبو الكذَّاب” (يو 8: 44)، فقد أعدَّ نفسه لمحاربة كل من اِختار أن يعيش في الصلاح.
حيث كان هذا السقوط من الصلاح بداية الشر لبقية بني البشر (هذا ما حدث للطبيعة البشرية)، هكذا نجد إن من كان ذات يوم أسود اللون قد صار الآن جميلاً، ناسبًا سبب هذا السواد الظاهري إلى “بني أمهاتهم”؛ نحن نعلم أن كل شيء كان له أم واحدة هي سبب وجوده. وهكذا ما هو مدرك حسيًا في الوجود يُنسب إلى شيء آخر. إن الاختيار الحر يقسم الطبيعة البشرية إلى صداقة وعداوة، إذ أن أولئك الذين تركوا السلوك الصالح قد أعطوا مكانًا للشر بابتعادهم عن الصلاح (إن الشر منفصل تمامًا عن الخير). مثل هؤلاء يسرعون لإقامة شركة مع آخرين في الشر (إذ تقول العروس “بنو” بصيغة الجمع، فهي بذلك تشير إلى تعدد طرق الشر). إن “بني أمي” قد جعلوا الحرب في داخلي، وذلك ليس بالهجمات الخارجية ولكن عن طريق جعل النفس أرضًا للمعركة الداخلية. مثل هذه المعركة تدور في داخل كل إنسان كما يقول الرسول: “ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي” (رو 7: 23). وتضيف العروس قائلة: “إن إخوتي هم الذين شنوا عليَّ هذه الحرب الأهلية، وقد صرت سوداء بيد أعداء خلاصي؛ لقد قهرني الأعداء وأما كرمي فلم أنطره.”
علينا أن نحسب الكرم فردوسًا، وقد أمر الإنسان إن يحرسه. إهماله في حراسته جعله يُطرد منه، وصار مقيمًا حيث تغرب الشمس بدلاً من مكان شروقها، لذلك فإن شروق الشمس يظهر في غروبها. “غنوا لله رنموا لاسمه. أعدوا طريقًا للراكب في القفار باسمه ياه، واهتفوا أمامه” (مز 67: 4)، حتى أنه عندما يشع النور في الظلام يتحول الظلام إلى إشعاعات مضيئة، وتعود العروس السوداء إلى جمالها الأول. إن التباين في المعنى الحرفي للنص يمكن إصلاحه إذا ما تطلعنا إلى المعنى الحقيقي: “جعلوني ناطورة الكروم” مثلما قيل: “جعلوا أورشليم أكوامًا” (مز 78: 1). والواضح في مفهوم النص هنا أن الله وليس الأبناء قد جعل العروس حارسة للكرم المقدس. إن الأبناء غضبوا على العروس، وضعوها كمظلة في كرم، كخيمة في مقثأة (إش 1: 8). وقد حرمت من الفاكهة المحروسة وذلك من خلال العصيان، فصار الناظر إليها يرثي لها، حيث إن الشيء الذي كان محروسًا بداخلها لم يعد موجودًا. وضع الله آدم في جنة عدن ليعملها ويحفظها (تك 2: 15)، قالت العروس: حينما نفخ في الله نفخة الحياة (إذ تمتع الإنسان بالحياة في الفردوس حيث أقامه الله هناك ليعملها ويحفظها)، وحولني الأعداء من حراسة الفردوس إلى حراسة كرمهم حيث عناقيده مملوءة مرارة وشجيراته تخرج غضبًا.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي
www.orthodoxonline.org