والآن نفحص الجمال الذي يظهر في أسنان غنم الجزائر: “أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل، اللواتي كل واحدة متمِّم وليس فيهن عقم” [ع2]. إذا تأملنا في المعنى اللفظي لهذه الآية لا نفهم كيف يقارن الأسنان بالأغنام المولودة. تُمدح الأسنان لترتيبها ووضعها على اللثة. كان القطيع منتشرًا في الوادي والآن تجمع القطيع للاستحمام. أنها تصف جمال أسنان العروس ولكننا لا نفهم بسهولة كيف يكون ذلك. تصطف أسنانها في صفوف بينما القطيع مبعثرًا يبحث عن المرعى. ولكن لا يُقارن حيوان يكسو جسمه الصوف كالغنم وأسنانها مُعرَّاه أن نبحث كيف ينسجم جمال الأسنان مع قطيع الغنم الذي تم غسل صوفه وقصه وتَحمِل إناثه توائم.
ماذا يمكن فهمه من هذه الكلمات؟ والأشخاص الذين يُجزئون الأسرار الإلهية إلى أجزاء صغيرة حتى يمكن فهم النص يصنعون غذاءً روحيًا مقبولاً لجسد الكنيسة. إنهم يقومون بعمل الأسنان في اِستقبال خبز النص الكثيف السميك في الفم، ويجعلون كذاقه مقبولاً بواسطة التأمل والتفكير العميق فيه. يمكن فهم هذه الكلمات بالأمثلة الآتية: يقدم لنا القديس المبارك بولس ببساطة وبدون تعقيد جزء من الشريعة “لأنه مكتوب في ناموس موسى لا تَكُمّ ثورًا دارسًا” ( 1كو 9:9). ثم يعدل بولس معنى القانون لكي يجعله مقبولاً: “ألعل الله تهمُّه الثيران، أم يقول مُطلقًا من أجلنا. أنه من أجلنا مكتوب” (1 كو 9: 9-10). وأيضًا: “فإنه مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة” (غلا 4: 22). هذا الخبز ليس جاهزًا لنا. ولكن كيف نقسمه إلى أجزاء صغيرة لكي نأكله؟ أنه ينقل القصة إلى العهدين، “لكن الذي من الجارية وُلد حسب الجسد ولكن الذي من الحرة فبالموعد” (غلا 4: 23)، لذلك فلقد فسر بولس القانون بتخفيف كثافته إلى قطع صغيرة وجعله روحيًا بواسطة التفكير العميق. “فإننا نعلم أن الناموس روحي” (رو 7: 14). نفهم من كلام بولس حاجة الكنيسة إلى الأسنان لكي توضح تعاليمها بواسطة تجزئتها إلى أجزاء صغيرة. نحن نقول هذا متمثلين ببولس الذي يوضح لنا أسرار الكتاب المقدس. لذلك تجعل أسنان الكنيسة عشب الكلمات المقدسة الخام مجهزًا بسيطًا وخفيفًا لأجلنا. ويصف القديس بولس حياة الذين يتوقون إلى المركز السامي للأسقفية (1 تي 3: 1-7). ويتكلم عن الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الأسقف. تشمل نعمة التعليم مع بقية المواهب. لذلك يرغب النشيد في الذين يودون أن يخدموا الكنيسة أن تكون أسنانهم عارية من أي حمل مادي. وعندما يُصبح ضميرهم نظيفًا من أي تلوث جسمي أو روحي، فإنهم يرتفعون باستمرار ويتقدمون ولا يتراجعون مرة أخرى إلى الأعماق التي أتوا فيها. ثم يُقدمون على إنهم يحملون توائم من الخير، أي إنهم يتصفون بكل فضيلة ويثمرون في كل الأعمال الحسنة. ويرمز حمل التوائم إلى سمعتنا الحسنة حتى نكون مثل هذه الأسنان التي تحمل التوائم، والتي تُقدم ضبطه النفس، والنبل في حياتنا.
يضف النص مدح مناسب لشفتيّ العروس بمقارنة جمالها “كسِلكة من القرمز” ويؤدي تفسيره إلى زينة حديثها الطلي. لقد تكلمنا على هذه الفقرة عندما ذكرنا أن جمال الشفتين تزينه ترتيب الأسنان، لأن فم الكنيسة يتكلم من خلال الأسنان. لذلك فالأسنان أولاً عارية ومغسولة ليست عقيمة وتحمل توائم، ثم تتزين شفتيّ العروس باللون القرمزي، بينما يوجد للكنيسة شفة واحدة وصوت واحد في اِنسجام مع الخير. يشمل جمال العروس ناحيتين: شفتا العروس تشبه سلكًا رفيعًا، وأيضًا لها لون الزهرة الجميل. وكلا الصفتان السلك الرفيع واللون القرمزي يحتفظان بجمالهما ووظيفتهما عند يُزينان فم الكنيسة. ويعلمنا مثال السلك أو الخيط الرفيع أن نكون على فكر واحد أي حبل واحد مكوَّن من خيوط عديدة. ويذكرنا اللون القرمزي بالدم الذي خلصنا، وأن نعترف دائمًا بأفواهنا بأن الدم هو الذي فدانا. تملأ الجاذبية شفاة الكنيسة عندما ينير إيمان اعترافنا ويمتزج إيماننا بالحب.
نقدم الملاحظات الآتية لكي يزداد فهمنا للتشبيه السابق فالإيمان هو السلك القرمزي الذي يتكون من الحب لأن اللون القرمزي يرمز إلى الإيمان ويُفسر السلك بالحب. يشهد الحق بأن شفتيّ العروس تتزينان بهذان العنصران. ولا تحتاج شفتيها الجميلتان شرحًا إضافيًا لأن الرسول أوضح ما يرمزان إليه بقوهل أن هذا الكلام هو ما نعلنه عن الإيمان: “لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت. لأن القلب يؤمن به للبرّ والفم يعترف به للخلاص” (روم 1: 9-10). هذا هو الكلام البديع الذي يُزيّن الشفاه الكنيسة بالسلك القرمزي.
يفرح العريس بجمال فم عروسه واِحمرار خديها. ويُطلق على هذا الجزء من الوجه بالتفاحة نظرًا للتشابه لذلك، يقارن العريس تفاحة خدود العروس بقشرة الرمانة كالآتي: “خدك كفلفلة رمانة تحت نقابك” [ع4]. يمكن فهم مدح تواضع العروس بسهولة من سياق النص. أصاغ الفضائل على كل عضو بواسطة وصف جمال الوجه ثم يمدح فضيلة المثابرة بواسطة اللون الأحمر الذي يعلو وجه العروس ويزّينها مثل الرمان. هذه الفاكهة تشبه الكعكة وجلدها رقيق لذلك فعمل المثابرة يشارك التفكير العميق، وكما يغذي ويحمي جلد ثمرة الرمان، الذي يشبه الجزء الخارجي من الكعكة المذاق الحلو لما بداخله، لأنه يحيطها تمامًا، لذلك فهو حارس خشن ومنضبط من أجل المثابرة. لذلك فمدح هذه الفضيلة له وجهان: المظهر الخارجي لحياة منضبطة مرتبة، وعمل صادق للنفس خال من الانفعال، كما يقول الرسول: “وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله” (رو 2: 29). ينير التواضع هؤلاء الناس ويكسب سلوكهم الخارجي مديح الآخرين، ولكن بعيدًا عن كونك ساكنة “تحت نقابك” [ع1] فإن العجب المختفي تراه عين الله الوحيدة التي ترى الأشياء المختفية.
نتعلم من الأمثلة الآتية أن كل شيء يعمله القديسون الذين يوحي لهم الله يصبح نموذجًا ودرسًا للأشخاص الذين يسلكون حسب الفضيلة. ويصوِّر الزواج والهجرة والحروب وأدوات البناء على ما سيحدث في الحياة للأجيال الآتية. “وهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً وكُتبت لإنذارنا نحن الذين اِنتهت إلينا أواخر الدهور” (1 كو 10: 11). نستفيد من الحرب ضد الأعداء بأن نكون أقوياء ضد الغرباء، وشوقنا العميق للرهبنة يوضح سر حياة الفضيلة. كما توضح الهجرة الأساس في حياة الفضيلة، يحفزنا الاِهتمام بإقامة المباني بأن نُظهر مسئوليتنا في بناء بيتنا بواسطة الفضائل. لذلك يظهر لي أن البرج الذي يمكن رؤيتهمن كل ناحية والذي أسسه داود واختار له الغنائم النفيسة أنبأ عن الكنيسة وصوّر هؤلاء الذين يسعون إلى الفضيلة. وعندما أُخضعت القبائل الغريبة للعبودية ارتفع مركز الملك بممتلكات القبائل الأخرى، لذلك أظهر الملك بواسطة حكمته الحياة البشرية الطيبة التي تنبأ بها داود من خلال بناء البرج الذي يرمز لحياتنا المستقبله. سيتعظم جمال جسد الكنيسة في كل عضو من أعضائها حسب عمله وموقعه في المجتمع. فمثلاً يصف النص الذين يأخذون مكان الرقبة بين الناس، بذكر برج داود الذي يُعرف بأسواره وتسمى هذه الأسوار “ثالبياث”.
“عُنقك كبرج داود المبني للأسلحة. ألف مِجَن علق عليه، كلها أتراس الجبابرة” [ع4] أقام داود هذا البرج الكبير في موقع ممتاز بحيث يتمكن المشاهد أن يراه من جميع الجهات. وقد علق عليه ألف من الأتراس والحراب. والآن نودّ أن نفهم الغرض المقدس من هذا النص. لماذا يُقارن الرقبة – وهو عضو في الكنيسة – بهذا البرج؟ سنفحص أولاً هذا الجزء من جسمنا وهو الرقبة ثم نطبق ما يصل إليه على اسم عضو الكنيسة المسمى بالرقبة. تحمل الرقبة الرأس إلى أعلى وتعمل كقاعدة لها وتتثبَّت بين الكتفين، وتتدعم بعظام الفقرات العنقية التي تتمكن من الحركة في مجال واسع لعدم اِرتباطها بعظام القفص الصدري. تختلف عظام فقرات الرقبة عن العظام المدعمة للذراع أو الرجل، فهي مقسمة إلى فقرات تحمي ما بداخلها من النخاع الشوكي، وعليها ثقوب تخرج منها الأعصاب. ترتبط الفقرات بعضها ببعض بأربطة مرنة تسمح لها الحركة. وتوجد بالرقبة من الأمام القصبة الهوائية التي تمر بها هواء الشهيق حاملاً الأكسجين اللآزم لأكسدة المواد الغذائية، وإنتاج الطاقة اللآزمة للجسم. كما يمر بها هواء الزفير الذي يحمل بعض المواد التالفة الناتجة من أكسدة المواد الغذائية. ويوجد بالرقبة البلعوم وجزء من المريء، وهي قنوات تحمل الغذاء من الفم إلى المعدة. وتوجد بالرقبة الحنجرة وهي صندوق الصوت وتحتوي الأحبال الصوتية التي تهتز نتيجة لحركة الهواء في الحنجرة والقصبة الهوائية فتصدر الصوت. لذلك يسهل فهم رقبة جسم الكنيسة بعدما عرفنا بعض المعلومات عن التركيب التشريحي للرقبة، والتي يقارنها النشيد ببرج داود.
إذا حمل أي شخص الرأس الحقيقية لكل الخليقة، وهو المسيح: “ذاك الذي هو الرأس المسيح. الذي منه كل الجسد مركبًا معًا ومقترنًا بمؤزارة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة” (أف 4: 15-16). لذلك فإنه بحق يستحق أن يطلق عليه اسم رقبة. فإذا فهمت قلوبنا هذه المعلومات فإن الروح تُدفئها كالنار إذا انسجمت مع كلمته، عند سماع صوته يشكل الله الصوت الإنساني ليكون أداة لتحريك كلمته إلى القلب. تقوم الرقبة بوظيفة تغذية، أعني التعليم، الذي يعطي قوة لكل أعضاء جسد الكنيسة. إن الحصول المستمر على الطعام هو الذي يحفظ بقاء الجسم، وبدونه يضعف الجسد ويضمحل.
لنجعل شخصًا يمثل عمل فقرات الرقبة المنسجم، والذي يظهر كأن كل فقرة تمثل شخصًا، وكلهم مرتبطين مع بعضهم برباط السلام لكي يكوّنوا عضوًا واحدًا متماسكًا وقائمًا، ويتمكن من الحركة بسهولة من جانب إلى جانب الآخر. كان بولس هذه الرقبة. فإذا اتبع أي شخص مثال بولس وأصبح إناءًا مختارًا حاملاً اسم الله (أع 9: 15) ووحدت رأسه جميع أطراف جسد الكنيسة في انسجام، فإذا تكلم مثل هذا الشخص فإنه لا يتكلم من نفسه بل يتكلم كأنه الرأس، فالمسيح هو الذي يتكلم كما أوضح بولس (2 كو 13: 3). لذلك تربط القصبة الهوائية والحنجرة كلمة الحق مع صوت الروح القدس العذب الشجي. وتُجمل القصبة الهوائية بالكلام المقدس، وتغذي كل أعضاء الجسد بهذه التعاليم المحببة. تعمل الفقرات بانسجام الجسد بواسطة رابطة السلام والحب. من يعلِّم الرقبة أن تنحني في تواضع، إنها تتمكن من الحركة إلى اليمين واليسار، وإلى أعلى لكي نرى الأشياء العليا كما يمكنها أن تدور بعيدًا برشاقة وتحترس من جميع حيل الشيطان. داود قد أقام هذه الرقبة.
جهز الملك الذي جاء من نسل داود الإنسان ليكون القلعة الآمنة من السقوط. بناها داود بالنعمة وحصنها بالأتراس الكثيرة، حتى لا يتمكن العدو من الاقتراب منها بسهولة. والأتراس معلقة وليست على الأرض ويمكن رؤيتها معلقة في الهواء، ويوجد معها الحراب التي تُثير الفزع في العدو حتى لا يحاول الهجوم على البرج. إني أفكر فى أن هذا البرج بما عليه من أتراس وحراب يشير إلى الحرس الملائكي. لا يذكر النشيد ببساطة الحراب، ولكنه يضيف الرجال الأقوياء يحاربون إلى جانبنا فيغلب النشيد بكلمات المزمور: “ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم” (مز 33: 8). لا يمثل لي بدقة رقم الألف رقم مائة مضروبًا في عشرة، ولكنه يُشير إلى أن العدد كبير. ويُشير الكتاب في العادة إلى الأعداد الكبيرة بالرقم ألف. كما يقول داود: “مركبًات الله ربوات ألوف الرب في وسطها فصار جبل صهيون مماثلاً لجبل سينا في القداسة” (مز 67: 18). ثم “شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة” (مز 118: 72).
علمنا أن الجزء السفلي من الرقبة يرتكز على الكتفين، ويتميزان بالقوة اللازمة لذراعينا اللذين يجلبا الخلاص. يتمكن الذي يتأمل بدقة ترتيب كلمات نشيد الأناشيد من فهم نمو النفوس في الفضيلة نحو الله. فهو يعلم أن العروس قُورنت في المرحلة الأولى التي أحبها فيها العريس بالحصان الذي حارب طغاة المصريين، وكانت له رقبة جميلة مزينة بالسلاسل وحلي الرقبة، ولكنها تُلقب بالبرج لعظمتها. ويُشاهد البرج من كل الاِتجاهات ومن على مسافة كبيرة نظرًا لهندسته الرائعة المرتفعة إلى أعلى وموقعه فوق المنطقة المجاورة. وعندما يحصل هذا البرج على المركز المشترك العالي في السماء، فإنه يوضح صدق كلام الله: “لا تخفى مدينة موضوعة على جبل” (مت 5: 14).
دعنا الآن نتأمل في “خشفتي ظبية” بالقرب من قلب العروس والتي تسمى بالثديين “ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن” [ع5]. يقع القلب بين الثديين ولا يوجد عنده عشب أو أشواك للرعي ولكن السوسن يبقى مزدهرًا طيلة مدة الرعي كلها. ولا تتكون للسوسن أزهارًا ولا يذبل في أوقات معينة، ولكنه يعطي طعامًا للخشفات حتى لا تسيطر ظلال الخطية على هذه الحياة. بدلاً من ذلك ينير الضوء كل مكان وتظهر كل الأشياء في النهار وتتنفس النور أينما رغبت. لأن النشيد يقول: “إلى أن يفتح النهار وتنهزم الظلال” [ع6]. أنتم تعرفون من الإنجيل أن الروح القدس يحلّ حسبما يريد، وينير لهؤلاء الذين من أين يأتي وإلى أين يذهب (يو 3: 8). يقول النشيد: “ثدياك كخشفتيّ ظبية، توأمين يرعيان بين السوسن إلى أن يفتح النهار وتنهزم الظلال”. ولكن “النهار” يشير إلى الروح القدس الذي يبث النور في كل من يحصل عليه. يجب أن لا نشك في معنى هذه الكلمات. إذا كان الروح القدس يُنتج أبناء النور والنهار أفلا يجب علينا أن نعرف أنه هو النور والنهار الذي يطرد الباطل والظلال؟ عندما تظهر الشمس لا تبقى الظلال بل تنسحب وتبتعد. إن الفرصة مواتية لكي نضيف لدراستنا للنص سرّ خشفتيّ الظبي التي تحمل توائم والتي تتغذى على السوسن في المرعى الجيد الخصيب. أن مكان المرعى هو القلب حسب المثل الذي تكل به السيد المسيح (مت 13: 3)، يزدهر كل الذين يرعون ويحصدون منه أفكار نقية. تجذب الرائحة الذكية واللون الجميل لزهور النرجس من يقطفها فرؤيتها متعة للعيون ورائحتها تُدخل البهجة للنفوس لأنها تمتلئ برائحة المسيح الذكية، بينما منظرها يوحي بالنقاء والطهر.
زال الآن غموض النص وأصبح واضحًا لنا، فعندما يفحص شخصان المعنى اللفظي والروحي للنص كل على انفراد، ثم يسيران سويًا في الحياة فإن كلا منهما يولد ميلادًا له ناحيتان: فلا تأتي الروح قبل الجسد، ولا يُخلق الجسد قبل الروح، ولكن كلاهما يُخلقان في نفس الوقت. وغذاؤهما هو النقاوة والرائحة الزكية وكل ما تجلبه الفضائل بوفرة. ولكن يوجد من يرغبون في الهدم أكثر من البناء، وهؤلاء لم ينموا على الفضيلة بل وجدوا مسرتهم في الأشواك. سمعنا عن المثل: “من ثمارهم يُعرفون. هل يجنون من الشوك عنبًاء أو من الحسك تينا” (مت 7: 16). وهو يسمي الخطية ما أنتجته لعنة الحيّة من حسك وأشواك. نحتاج إلى عين مُميزة لكي نقارن بدقة بين النرجس والأشواك حتى نختار كل ما هو للخلاص ونرفض ما هو فاسد. ويصير الشخص الذي له مثل هذه العين الفاحصة صدرًا حنونًا لكل الأطفال. كما كان بولس العظيم (1 كو 3: 1-6)، ويغذي أطفال الكنيسة المولودين حديث باللبن. لقد ذكر النشيد ثديّ العروس التوأم المولودان سويًا اللذان قارنهما. بخشفتيّ ظبي، ليؤكد أهمية وسمو هذا العضو للكنيسة. يقود كل ثدي الشخص إلى مرعى النرجس النقي بواسطة الحكم الصحيح والتمييز بين ما هو مغذي وما لايحتوي على غذاء كالأشواك. ويقوده في ذلك المبدأ المسيطر الذي يُرمز إليه بالقلب الذي يغذي الثديين. لا يبخل الثدي عن إعطاء النعمة بداخله ولكنه بعطي حلمة الكلمة لكل من هم في حاجة إليه، وهكذا يوفر الغذاء لكل أطفاله (أنظر تس 2: 7).
والآن تم مدح أعضاء جسد الكنيسة وسنخصص المدح في الكلمات الآتية إلى كل أعضاء الجسد بعد الموت، فالمسيح أبطل قوة الموت (عب 2: 14). عندما صعد إلى مجد ألوهيته الذي كان قبل إنشاء العالم. لأن العريس يقول: “أذهب إلى تل المر وإلى جبل اللبان” [ع6]. يوضح النشيد مجد الله من خلال تعب المر والبخور ويضيف الكلمات الآتية: “كُلُّك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيب” [ع7]. تعلمنا هذه الكلمات أنه لا يتمكن لأحد أن يأخذ حياتك منك. المسيح فقط له سلطان أن يضعها أو يرفعها (يو 10: 18). أنه يذهب إلى “جبل المر”، ليس بقوّته حتى يفتخر بذلك ولكن بما كسب من نعمة، بعد ما ذاق المسيح الموت عن الخطاة(رو 5: 8). خلصت الطبيعة البشرية ومن وصمة الخطية بعد أن رفع حمل الله خطية العالم وحطم الإثم (يو 1: 29). لذلك يقول النشيد “كُلُّك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيب” ويضيف إلى ذلك سرّ الانفعال الذي يرمز إليه المرّ ثم يذكر خليط الأعشاب العطرة والبخور التي تُشير إلى ألوهية المسيح. إن الذي يشارك المسيح في المرّ سوف يحصل على رائحة الأعشاب العطرة والبخور، لأن الذي يتألم معه سينال المجد معه (رو 8: 17) وعندما يكون في المجد الإلهي سيحصل على الجمال الكامل، ويكون بعيدًا جدًا عن كل عيب بغيض بواسطة المسيح، ومن خلال المسيح تنفصل عن الخطية. أنه مات وقام من الأموات لأجلنا، وله المجد والقوة الآن وإلى الأبد آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي
www.orthodoxonline.org