سنة. مُلقى الى جانب بركة «بيت حسدا». مثله مثل العشرات من المرضى.
بين الحين والآخر ينحدر ملاك، يحرّك الماء في البركة. من يُلقى في البركة أوّلًا بعد تحريك الماء يُشفى.
في هذا اليوم (الذي يتحدّث عنه القدّيس يوحنّا الإنجيليّ)، في هذه الساعة، اختار يسوع هذا المخلّع، اختاره من بين كلّ المرضى المنتظرين الشفاء العجائبيّ. أتى إليه، وبدون مُقدّمات، سأله: «هل تريد أن تبرأ؟»
سؤال بسيط جدًّا، وقد نعتقد أنّ الإجابة عنه سهلة جدًّا. لكنّ الأمر ليس كذلك.
المخلّع لا يعرف من هو هذا الذي يطرح عليه هذا السؤال، لم يتعرّف إليه من قبل، لا يعرف ما هو قادر على أن يقدّمه له ولا بأيّة طريقة. فهو لا يعرف إلّا طريقة واحدة، أنّ عليه أن يُلقى في البركة، وهو ليس له أحد ليُلقيَه.
كلّ تركيزه منصبّ على هذه البركة ولا يستطيع أن يرى أيّ شيء آخر، ولا أن يفكر بأيّ شيء آخر. لا يرى خلاصه إلّا عبرها. لا يرى شفاءه إلّا عبرها.
أنا هو هذا المخلّع. مخلّع بسبب الأمراض والهموم والخطايا.
وطني هو هذا المخلّع، مخلّع بسبب سوء الإدارة والفساد والتناحر.
إنسانيّتي هي هذا المخلّع، مخلّعة بسبب الفقر والحروب والجشع.
أنا إذًا إنسانٌ مخلّعٌ على جميع المستويات.
ماذا أجيب يسوع حين يأتي إليّ اليوم؟ حين يقف أمامي ليسألني: «هل تريد أن تبرأ؟»
هل ما زال كلّ تركيزي منصبًّا على البركة التي أمامي؟ هل ما زلت أنتظر الشفاء العجائبيّ؟ هل بتُّ أعرف هذا السائل، بعد أن التقيته في كلمته وفي الليتورجيا وفي الإفخارستيّا؟ بعد أن عشتُ معه الخبرات الروحيّة؟ هل صرت أعرف أنّ له طرائقه الخاصّة في الشفاء؟ وله أساليبه التي لا أدركها ولا تخطر على بالي؟ هل أفسح له المجال ليعمل فيّ وعبري؟
هل أدركت، بعد كلّ التجارب والخيبات والرهانات الخاطئة، أنّه في سبيل الشفاء الشخصيّ والعامّ، ليس لي إلّا سبيلٌ وحيدٌ، وهو أن أجيب يسوع بكلمة «نعم»، «نعم أريد أن أبرأ»، «نعم أريد أن تلتقي نعمتك مع إرادتي».
هل صرت أعرف أنّ الشفاء، أي شفاء يبدأ من داخلي وليس من الخارج؟ من عمل الله فيّ وليس من البركة؟ هل أدركتُ أنّ الشفاء يجب أن يرافقه تغيير جذريّ في جسدي وفي عقلي وفي سلوكي؟ تغيير في قلبي وفي تفكيري وفي كياني كلّه؟
فكلّ شفاء خارجيّ، لا يرافقه هذا التحوّل الكيانيّ العميق، هذا الالتصاق القويّ بالربّ، يُبقيني رهينة الظروف والعوامل الخارجيّة المحيطة بي. فأبقى هذا الإنسان الذي تتقاذفه الآلام والصعوبات والهموم… وترمي به حيثما تشاء ومتى تشاء.
بعد أن أُشفى، عليّ أن أنهض، عليّ أن أحمل فراشي وآلامي وهمومي وخطاياي، التي تسمّرت عليها طيلة ٣٨ عامًا، عليّ أن أغيّر اتّجاهي، أن أسلك طريقًا آخر، ألّا أعود إلى الخطيئة، إلى الفساد، إلى الهروب من المسؤوليّة عن خلاص نفسي وعن خلاص الآخرين.
عليّ أن أكون مستعدًّا للشهادة، مستعدًّا للمواجهة، فكثيرون يريدون للأمور أن تبقى مسمّرة في مكانها، يريدون للأشخاص أن يبقوا مسمّرين في مكانهم. النهوض صعب، والفراش الذي أحمله قد يتحوّل إلى الصليب الذي عليّ أن أحمله، لكن هذه المرّة بفرح، بفرح من التقى بالمسيح فغيّر هذا اللقاء حياته.
الجواب ليس بسيطًا.
في هذا الأحد تضعني الكنيسة، قرب بركة «بيت حسدا»، أمام يسوع الذي يسأل: «هل تريد أن تبرأ؟» فماذا سيكون جوابي؟
Raiati Archives