تأسّس عيد رئيسي الملائكة ميخائيل وغفرئيل بداية القرن الرابع ضمن أعمال مجمع اللاذقية المحليّ. أدان المجمع في قانونه رقم ٣٥ هرطقة عبادة الملائكة، وحدّد ضوابط الاكرام القويم للملائكة. كما حدّد يوم العيد الجامع في شهر تشرين الثاني، الشهر التاسع ابتداءً من آذار (آذار كان الشهر الأول من السنة في ذلك الزمان) – تيمّنًا بالطغمات (المراتب) الملائكيّة التسعة. توافق آباء المجمع على اليوم الثامن من تشرين الثاني للاحتفال بالعيد الجامع للقوات العادمة الأجساد – تيمّنًا بيوم الدينونة الأخير– لأنه بعد انتهاء أيام الخليقة السبعة يأتي «اليوم الثامن» – وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ (متى ٢٥: ٣١).
عمل القديس الشهيد في رؤساء الكهنة ديونيسيوس الآريوباغي أسقف أثينا (+٩٦)، الذي اقتبل المسيحيّة من بولس الرسول (أعمال ١٧: ١٦-٣٤)، عمل على تحديد التعليم المسيحي حول الملائكة في مؤلفه «المراتب السماوية». وأوضح أن غاية المراتب الملائكية هو الارتقاء إلى القداسة من خلال التنقية، والاستنارة، والسعي إلى الكمال.
كذلك القديس يوحنا الدمشقي (+750) بنى على اللاهوت الملائكي لدى القديسين ديونيسيوس الآريوباغي وغريغوريوس اللاهوتي، وحدّد بعض صفات الملائكة:
– خلق الله الملائكة على صورته وأوجدها من العدم إلى الوجود، كائنات عادمة الأجساد -روحيّة- نار غير ماديّة «الصَّـانِعُ مَلاَئِكَتَهُ أرِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً» (مزمور ١٠٣: ٤). وقد خلقها قبل إنشاء العالم المادي «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» (تكوين ١: ١). – السماوات أي العالم غير المادي، أنظر أيضًـا سفر أيوب (الاصحاح ٣٨) عندما يحدّث الله أيوب عن وجود الملائكة أثناء خلق الأرض لمعاينة عمل الله.
– الملاك طبيعة ذكية، في حركة دائمة، وإرادة حرّة، بلا جسد، خادم لله، عادم الموت بالنعمة المعطاة له من الله.
– طبيعة الملائكة عاقلة، وقابلة للتبدّل لأنها مخلوقة. وهي غير مجرّدة من الهوى لأن لها إرادة حرّة فهي قادرة على الثبات في الحق، أو التقدّم، أو السقوط. ولكنها بلا توبة، لأنها بلا أجساد، فالشيطان (ملاك ساقط) لا توجد لديه توبة. ولكنها تتحرك بصعوبة نحو الشر، بسبب النعمة الإلهيّة، وبسبب قربها من الإله الواحد.
– تمثّل الملائكة «الأنوار الثانية» وتستمد نورها مباشرة من الله «النور الأول» الأزلي. ولأنها تمتلك قوة الاستنارة، فهي لا تحتاج إلى السمع والنطق لأنها قادرة على التواصل فيما بينها بالأفكار والمشورة.
– الملائكة مقيّدة مكانيًا، ومع أنها سريعة الانتقال، ولكنها غير قادرة على التواجد في أكثر من مكان في نفس الوقت. ولكنها غير محدودة ماديًا، لا تحجبها جدران، أو قضبان، أو أختام. وهي قادرة أن تظهر للناس بهيئة ماديّة، ولكن ضمن حدود المهمة الموكلة اليها.
– لا نعلم إن كانت الملائكة تتشارك الجوهر نفسه، الله أعلم. ولكنها تتمايز بعضها عن بعض بالرتبة والسطوع. وهي تعاين المجد الإلهي على قدر ما أعطاها الله من مكانة (رتبة) ومن طاقته، وهذا هو طعامها.
مراتب (طغمات) الملائكة:
تحيط بالعرش الإلهي ثلاث حلقات هي العُليا، والوسطى، والدُنيا. وتتألف كلّ منها من ثلاثة مراتب ليصبح مجموع المراتب تسعة؛ يليها الإنسان في المرتبة العاشرة – أدنى من مراتب الملائكة – «أنقصته قليلاً عن الملائكة» (أنظر مزمور ٨: ٤-٥؛ عبرانيين ٢: ٧). وبذلك يكون كمال خليقة الله بخلق الإنسان (رمزيّة الرقم ١٠). ففي التجسّد الإلهي، نجد أن الله قد تنازل «آخذًا صورة عبد» (فيليبي 2: 7) ليصير بشرًا، ثم بصعوده إلى السماوات بعد القيامة، جعل البشر أسمى من الملائكة لأنه رفع طبيعتنا معه وأتحدها مع الله. أما طغمات الملائكة فهي كالآتي:
1.الدائرة العُليا: هي الماثلة دائمًا أمام الحضرة الإلهية (السيرافيم / الشروبيم / العروش):
− السيرافيم، هي الأقرب إلى الثالوث القدوس – «وقد مثل حولك السيرافيم، للواحد ستة أجنحة وللآخر ستة أجنحة…» (قدّاس باسيليوس؛ أنظر إشعياء ٦: ٢-٣)؛ السيرافيم كلمة آرامية عبرية وتعنى اللهيب المشتعل – لهيب نار (الحب الإلهي).
− بعد السيرافيم تمثُلُ الشيروبيم «الكثيرو العيون» أمام الربّ (تكوين ٣: ٢٤)؛ ويشير اسمها إلى فيض الحكمة الإلهيّة، والاستنارة المقدّسة لأنه -من خلالها- يشعّ نُور المعرفة الإلهيّة وفهم الأسرار الإلهيّة.
− بعد الشيروبيم، تمثُل العروش وهي تلك التي يستريح عليها الرب من خلال النعمة المُعطاة لها لهذه الخدمة، بصورة سريّة لا تُفسّر (كولوسي ١: ١٦)، وتخدم استقامة العدالة الإلهيّة.
2.الدائرة الوسطى: وهي الحلقة الثانية (السيادات / القوات / السلاطين):
− تسود السيادات على المراتب الدُنيا من الملائكة؛ وهي تُرشد السلطات الدنيوية والحكومات إلى الاقتداء بالله؛ وتخمد الدوافع الخاطئة، وتُخضع الجسد لسلطان الروح، وتوفّر قوة الإرادة للانتصار على التجارب.
− تُتمّم القوّات (١بطرس ٣: ٢٢) إرادة الله؛ هي تعمل معجزات وتُرسل نعمة فعل المعجزات والحكمة إلى القديسين المرضيّين لله. وتساعد الناس في الطاعة، وتشجعهم على الصبر، وتعطيهم الإيمان والمجالدة.
− تمتلك السلاطين (١بطرس ٣: ٢٢؛ كولوسي ١: ١٦) سلطة إخماد قوة الشيطان، فهي تطرد من الناس تجارب الشرير، وتحفظ النسّاك وتحميهم، وتساعد الناس في صراعهم ضد الافكار الشريرة.
3.الدائرة الدُنيا: وتتألف من (الرئاسات / رؤساء الملائكة / الملائكة):
− وُضع في أيدي الرئاسات، إدارة الكون، وحماية الأرض، والأمم والشعوب؛ وتُرشد الناس نحو الاحترام؛ وأصحاب السلطة إلى القيام بواجباتهم بما ينسجم مع احترام إرادة الله ومحبّة القريب.
− تُعلن رؤساء الملائكة عن عظمة القدوس، وتكشف أسرار الإيمان، والنبوءة، ومعرفة الارادة الإلهيّة؛ هي تُشدّد الإيمان العميق في الناس، وتُنير أذهانهم بنُور معرفة الكتاب المقدّس.
− أمّا الملائكة، وهي الأقرب لكل الناس: تُعلن القصد الإلهي، وتقودهم إلى الحياة الفاضلة والمقدّسة. وتحميهم (الملاك الحارس) وتحصنهم من السقوط، وتساعدهم على التوبة. لا تتخلى عنّا أبدًا. وتتشارك كل مراتب القوات السماوية اسم «الملاك» (خادم مُرسل) – بسبب خدمتها.
فوق كل المراتب التسعة، ميّز الرب رئيس الملائكة ميخائيل، الخادم الأمين لله، قائد الأجناد الملائكية الذي طرد من السماوات المُستكبر «نجمة الصبح» (لوقا ١٠: ١٨) المتغطرس لوسيفوروس، مع كل أرواحه الساقطين (إشعياء ١٤: ١٢-١٥). حيث صرخ ميخائيل بأتباعه الملائكة: «لنُصغ! لنقف حسنًا! لنقف بخوف أمام خالقنا، ولا نفتكرنَّ بما لا يليق بالله!». في خدمة عيده، يظهر ميخائيل في الكثير من أحداث العهد القديم في الكتاب المقدس. ففي خروج إسرائيل من مصر سار ميخائيل أمام الشعب بهيئة عمود الغمام في النهار وعمود النار في الليل. ومن خلاله ظهرت قوة الله ضد فرعون وجنده. كما ظهر ميخائيل ليشوع بن نون وكشف له إرادة الله في معركة أريحا (يشوع ٥: ١٣-١٥). كما «ضَـرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا» (٢ملوك ١٩: ٣٥). وحفظ الله الفتية الثلاثة في الأتون سالمين بواسطة ملاكه ميخائيل (دانيال ٣: ٢٨). وبأمر الله، نقل رئيس الملائكة ميخائيل النبي حبقوق من اليهودية إلى بابل، لكي يقوت دانيال في جب الأسود (دانيال 14: 32-38). ومنع ميخائيل الشيطان من إظهار جسد موسى النبي حتى لا يحوله اليهود إلى وثن (يهوذا ١: ٩)، الخ…
من خلال التقليد الشريف (والكتاب المقدس) نعرف عن ثمانية رؤساء للملائكة:
- ميخائيل، «من مثل الله»، الأكثر شهرة ويرد ذكره كثيرًا في الكتاب. يُكتب (يُرسم) في الإيقونة وهو يدوس الشيطان وفي يده اليسرى غصن بلح أخضر وفي يده اليمنى لفافة بيضاء أو سيف ناريّ مزدان بصليب قرمزي.
- جبرائيل، «جبروت الله»، يرد ذكره في النبوءات والولادات، (دانيال ٨: ١٦؛ لوقا ١: ٢٦). يُكتب في الإيقونة وهو يقدّم غصنًا فردوسيًا إلى الفائقة القداسة العذراء مريم، أو مع فانوس منير في يده اليمنى ومرآة من اليشب في يُسراه.
- روفائيل، «الرب الشافي»، يرد ذكره في سفر طوبيت (٣: ١٦، ١٢: ١٥). في الإيقونة يحمل في يده اليسرى إناء أدوية شافية، وباليمنى يقود طوبيا الذي يحمل سمكة (طوبيت ٥-٨).
- أروئيال، «نار أو نور الله»، منير (أبوكريفا 2عزرا ٥: ٢٠). في الإيقونة يرفع سيفًا في يمناه على مستوى صدره وفي يسراه يخفض نارًا ملتهبة.
- صلاتئيل، «صلاة الله»، يحض على الصلاة (أبوكريفا 2عزرا ٥: ١٦). في الإيقونة يبدو في وضعية صلاة، يخفض نظره للأسفل، ويضم يداه الى صدره.
- شغديال، «من يمجد الله»، يشجّع جهود تمجيد الله ويتشفّع لنيل أجرة الاجتهاد. في الإيقونة يحمل في يمناه إكليلاً من الذهب، وفي يسراه سوطًا ثلاثيًا أحمر (أو أسود).
- برضيال، «بركة الله»، يوزّع بركات الله على الأعمال الحسنة بواسطة الرحمة الإلهية للبشر. في الإيقونة يزدان ردائه بالورود المتفتّحة.
- أرمايل، «سمو الله»، ملهم وموقظ للأفكار السامية التي ترقى بالفكر إلى الله (أبوكريفا 2عزرا ٤: ٣٦). في الإيقونة يحمل في يده ميزانًا.
الأب سمعان (أبو حيدر)
عن “رعيّتي”، العدد 45، الأحد 8 تشرين الثاني 2015