يقول لنا الكتاب: “إذاً أنتم آلهة وبني العلي تُدعون”.
إذا نظرنا الى أولاد الملوك والأمراء وأبناء الطبقة الراقية. إذا نظرنا الى البيوت التي يحصل فيها الأولاد على العناية والرعاية وحسن التربية، هل نراهم يتساوون في التصرّف والمعاملة بكافة جوانبها مع الذين ليسوا على هذه المستويات التربوية.
ألا يتميّز الناس عن بعضهم البعض بالأخلاق؟ هل يرضى من يتمتع بأخلاق حميدة بتقليد من كانت أخلاقه فاسدة؟ ألا يبتعد الصادق عن طرق المخادعين؟ ألا يستقبح أفعالهم؟ ويتجنب مسالكهم.
طوبى للرجل الذي يتقي الرب… لا كذلك الأشرار لا كذلك.
إذاً المؤمن، واعتماداً على ما أعطى الله لكل إنسان يعمل على تطبيق شريعة الله، ولو كلفه ذلك حياته. ألم يقف المؤمنون عبر تاريخهم في وجه جميع المتسلطين. ويشدد الرسول بولص على أنهم غلبوا الممالك وسادة هذا العالم. لو لم يتحدى المسيح الموت ويقتله بالموت لما صار الفداء. لو لم يرفض المسيح مغريات العالم لفارقته الكلمة الإلهية المتجسِّدة ولصار كأي واحد في هذا العالم، ولما صار سيداً في السماء والأرض وهو ببشريّته. لو سار بحسب مفاهيم الناس لصار واحداً من الناس في كلِّ شيء وبالخطيئة، ولكان احتاج هو لمخلص.
هو الذي يقول لنا: “تعلَّموا مني…”.
ويوصينا الرسول بولص قائلاً: “إقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح”.
بكل تأكيد المسيحيّة تعلمنا أن نثور على كلَّ فساد وظلم وخطيئة. مبتدئين أولاً من أنفسنا حتى بالنعمة نكتسب وبحسن التصرف نتوصل لتغيير غيرنا والتأثير عليه مهما كان وأينما كان. فهل نحن كذلك لنفحص الأمر ونعرف مقدار ما يقف المسيحيون بإيمانهم ضد العالم يتحدون طرقه وأساليبه. يوصينا المسيح أن نهتم بملكوت الله وبرّه وهذا كله يزاد لنا ويعطى، إن مقارنة بسيطة بين حياة المسيحيين في هذه الأقوال والتعاليم سنجد أن المؤمنين يطبقون أحوال العالم بمحدوديته ويطيعونه ويديرون ظهورهم لما يطلبه يسوع المسيح.
يقول لنا السيد له المجد: “ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا”، ويوصينا أن لا نحلف بشيء البتة فهو نوع من عبادة الأصنام وإعطاء القيمة لمن ليس له القيمة من ذاته.
ويقول الرسول بولص في هذا المجال: “لتكن نعمكم نعم، ولاكم لا.
إذا تفحصنا حياة الكثيرين كيف نجدها. نجدها مليئة بالسبل الملتوية وبالتدليس، والعمل إقتداءً بأهل هذا العالم وقد قلَّ في حياتنا تحدي العالم بتجنب طرقه وأفكاره وأعماله، وصار الخضوع لما يمليه هو الفكر والعقل والتعقل. وطاعة المسيح عبارة عن شيء يفوق الطبيعة. أو فكره مرَّ عليه الزمن وصار لزمن غير زمننا، وبالتالي نعلن خضوعنا للعالم وطرقه غير شاعرين بأنفسنا أن الذين تقدسوا والذين نمدحهم ونفتخر بهم هم الذين ساروا على طريقه وصلبوا العالم وكانوا بشراً مثلنا.
يوصينا السيد بالمحبة والتسامح فأين نحن من ذلك. نتعامل مع بعضنا بكبرياء وبتعالي، ويخترع كل واحد منا طريقاً ليخجل الآخر، ويظهر تفوقه عليه بينما يوصينا الإنجيل أن نتواضع تحت يد الله القويّة، وأن نقدم بعضنا البعض بالاكرام والاحترام.
يتقدم إلينا العالم بصور مغرية عن المال والسلطة والمتعة، المسيحية تعتبر هذه الأشياء غير ثابتة بالنسبة لنا فنحن عنها وعن عالمها راحلون، وهي باقية بالنسبة لنا فترات قليلة هنيهات إذا قيست بالأبدية حيث السعادة التي لا حدود ولا زمن محدود لها. ونضرب عن هذا المفهوم ستاراً من المفاهيم الأخرى فنتعامل مع العالم كأننا ضد المسيح.
أين هي فضيلة العفة؟ أين هي فضيلة السعادة الروحية؟ من خلال فضائل العيش بمقتضى الكلمة الإلهية؟ أين هي فضيلة سلطة الإنسان على ذاته؟ وضبطه لنفسه وتجنبها ويلات أحوال هذا العالم؟
مما تعود الناس على إتباعه، أن لا يرتادوا الكنيسة بعد موت فقيد من الأقرباء إلا بعد مضي مدة زمنية تقارب في بعض الأحيان السنين، واكتسبت هذه الحالة درجة العرف، ويخجل البعض مخالفتها، أما تذوق حلاوة الصلاة فيتحدى العرف الخاطئ ويذهب الى الكنيسة للوقوف بين يدي من تتوق إليه نفسه كما تتوق اليمامة الى عشها، والأيِّلُ الى ينابيع المياه.
أسئلة كثيرة ترد الى ذهننا، ونحن نحاول أن نرضي الله لا العالم، ولكن ثباتنا وقوتنا بالذي قوته بضعفنا تكمّل.
نسأله تعالى أن يهبنا هذه النعمة، نعمة تحدي العالم لا لكي نستصغر العالم بل لكي تبغي نفوسنا ما هو أعلى وأسمى وذلك وارثة ملكوت السماوات، والحمد للذي يقوينا في ضعفانا لننتصر على الشرير آمين.
باسيليوس، مطران عكار وتوابعها
عن “الكلمة”، الصادرة عن كنيسة طرطوس، السنة 14، العدد 34، الأحد 23/8/2015