حالتنا مع الرب اننا معذبون وان الرب دائمًا يشفي. ليس لنا أن نتساءل لماذا نحن هكذا، لماذا نحن في الآلام، لماذا وُجدنا في الآلام. الوحي الإلهي لا يجيب عن هذا السؤال، لا يقول لأي سبب نحن مطروحون في الأوجاع، في أوجاع الجسد، في أوجاع الروح، في أوجاع الضمير. يكتفي الكتاب الإلهي بأن يلاحظ ذلك، وينطلق منه ليكشف لنا كيف نستطيع ان نخرج من هذه الآلام أو كيف نقدر أن نحتملها ونحوّلها إلى طاقة إبداع وتقرّب من الله، فنجعلها سلّمًا نرتقي بها إلى السماء.
عندنا في الكتاب الإلهي وعود بالشفاء وبالخلاص المؤكد من الخطيئة. وعندنا وعد بالفرح وكشف للحياة الأبدية التي تأتي عندما نقتبل سرّ الله ونطيعه في كلّ ما نذوقه من مصائب الدنيا، في الروح كان أَم في الجسد. عندما نكون في حال من هذه الأحوال، في عذاب كهذا الذي وقع فيه شاب الإنجيل، لسان حالنا مع السيد أن نقول: “يا رب ارحمني”.
“يا رب ارحم ابني فإنّه يُصرَع ويتألم شديدًا”.
نلاحظ ان هذا الوالد استرحم يسوع، وهذا أشمل من قضية الشفاء. عندما نطلب الشفاء، أكثرنا يطلب شفاء الجسد وهذا صالح. ولكننا لم نصلْ إلى أن نتألم من تسرّب الخطيئة الينا فنطلب أن تُرفع عنّا ونبقى للمسيح. ما هو موقفنا في المصاب بعد أن نقع في الشر، بعد أن تجتاح الظلماتُ نفوسنا؟ أيّة صلاة نصلّي؟ هل نحن واثقون بأن الله نفسه ينحدر الينا اذا صليّنا؟ هل نعرف أن الله يريد أن نحدّثه، أن ندخل معه في حوار؟
الله قادر بالطبع ان يستجيب في كل حين وهو مستجيب بالفعل اذا سألنا وإذا لم نسأل لأنه يعلم حاجاتنا. ومع ذلك فالرب يفضّل أن نكلّمه لكي نتدرّب على صداقته. انه يطلب منّا هذه الدالّة، دالّة البنين على أبيهم. وهذا ما نطلبه في القداس الإلهي قبل أن نتلو الصلاة الربّية إذ نقول: “وأَهّلنا أيها السيّد أن نجسُر بدالة لندعوك أبًا”.
الله يريد أن يختلط بنا، أن يعاشرنا لكي نعرف أننا ارتفعنا الى مصف الألوهة، ولكي ندرك أن الله تنازل إلى مصف البشر. وإذا جاء الله إلى نفوسنا كما هي، كما نعهدها، في ضعفها، في هوانها، في قذارتها، إذا جاء الله إلى هذه النفوس فهو شافيها.
ان مشكلة الإنسان الحديث المعاصر هي انه يكتفي بذاته لأنه اصطنع دمى، اصطنع أُلعوبات يلهو بها وظنَّ أنه يكتفي بهذا ولا سيّما اذا ما حصلَ على بعض المال وكفى نفسه شرّ العيش، فإنه ينغلق على ذاته ولا يسأل عن شيء. هذا هو شرّ الإنسان في هذا الجيل الذي نحن فيه، ولهذا يقول الرب: “أيها الجيل الفاسد الشرير، إلى متى أكون معكم، حتّى متى أَحتملكم؟”. عندما يغلق الانسان النوافذ بالكلية على نفسه، مع الوقت يموت لأنه لا يتنفّس. نحن بهذه الدمى، متى اصطنعناها واكتفينا بها، مغلقون نافذة السماء علينا، ولهذا نختنق. الإنسان لا يختنق فقط من رئتيه، ولكن عقله يتجمد، وقلبه يذبل، وضميره يتسكع فيموت روحيا.
ما هي الصلاة إزاء هذا الوضع؟ الصلاة هي أن نفتح النوافذ متى أَحسسنا بالاختناق، نفتح نوافذ القلب إلى السماء فيأتي الله إلى نفوسنا وعند ذاك فقط نستطيع أن نعيش.
الصلاة تنفّس. اذا ما كنّا متأكدين من هذا الأمر، نستطيع أن نتغلّب على جميع تجارب الدنيا لأن أرواحنا تكون مليئة من هواء النعمة.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 33، الأحد 17 آب 2014