إنجيل اليوم حول شفاء الرجل الأعمى نمط من أنماط قصة اليهود مع المسيح لا بل قصتنا نحن أيضًـا مع السيد وملخّصها أننا لا نريد أن نؤمن رغم وجود الأدلة الصريحة لدينا عن أُلوهية السيد.
رجل أعمى منذ مولده -أي انه لا يمكن أن يُشفى- شُفي بكلمة السيد. المأساة أن البشرية، مرموزًا اليها باليهود، بشرية عمياء ولا تريد أن تفهم. وها هي قصة الله مع الناس. الله وحده، متروك، غير محبوب، ونحن نغلّف خطايانا بشتى أنواع الكبرياء كي نزكي أنفسنا ونجد لسلوكنا ما يجعله برّاقا، ما يجعلنا في صدارة الفضلاء ونحن لسنا بفضلاء.
نجد في هذا الإنجيل مناقشة اليهود للمسيح في ما يختص بالسبت. السبت يوم يُحرّم فيه القيام بأيّ عمل، وقال الفريسيون ان الشفاء لا يجوز يوم السبت، اي انهم جعلوا الشريعة أهم من الانسان. كانت هذه نقطة تصادم بينهم وبين المعلّم. يسوع كان خاضعا للشريعة. لم يكن يعلّم يوم السبت، ولكنه كان يشفي المرضى يوم السبت. هذا كان من الاسباب التي دفعت اليهود إلى قتل السيد.
ونحن هل نبصر؟
“اغتسلتُ فأبصرتُ”، أي انني آمنتُ بالرب يسوع فتعمّدتُ وانكشفتْ لي الحقيقة وأنا لست بأعمى ولو كنت مولودا أعمى من الناحية الروحية. أجيء وأنضمّ إلى الكنيسة وأَعترف بأني كنت بشرًا خاطئًا والآن اغتسلتْ حياتي. اغتسلت بماء الروح القدس الذي هو نور الآب فأبصرت.
ولكن الذين اغتسلوا بالمعمودية أمُبصرون هم أَم عميان؟ فيهم المبصر وفيهم الأعمى. فإنهم من بعد ان أخذوا نعمة الله ونشأوا في الكنيسة يعودون إلى شهواتهم الفاسدة وكأنهم لم يغتسلوا، وكأنهم لم يبصروا ولم يسمعوا، وهذه مأساة أعظم من الذين لم يسمعوا ولم يأتوا. الذين لم يسمعوا بالمسيح لهم عذر، اما الذين اخذوا معرفة الحق فلماذا يأثمون؟ ولماذا من بعد بصر يصيرون عميانا؟ كيف يصير الانسان أعمى؟ عندما يخطئ ثم يخطئ فيخطئ ويكرر خطيئته، عندئذ يتغيّر عقله مع خطيئته. العقل يلحق الخطيئة كما يلحق البرّ. فمن كان صادقا وبقي صادقًا سنة بعد سنة، ينمو جليّ العقل ويقوى إيمانه لأن الإيمان يعبّر عن الفضيلة كما ان الفضيلة تأتي نتيجة الإيمان. ولكن مَن أثم، من سرق فسرق ثم سرق، او قتل فقتل ثم قتل، هذا لا يمكن ان يؤمن بوداعة المسيح وبلطف الله وبحقوق الناس وبحرية الناس. هذا يفسُد إيمانه إذ يأتي عقله مطابقًا لسلوكه السيء.
كل سوء سلوك يُفسد الإيمان. لا يمكنك على الإطلاق ان تستمر في الغيّ وان تستفحل في الشر وان تدّعي انك مؤمن. أنت لا تستطيع أن تؤمن وألاّ تمارس محبة الله وعمل الله. الإيمان ليس قضية تصديق بوجود الله. الإيمان هو أن أقبل الرب سيدًا عليّ، متربّعا على عرش قلبي، وأن أُنظف قلبي حتى يكون مطابقا لله، ليكون نقيّا مثل الله. ولهذا ينبغي ليس فقط أن نبصر ولكن أن نحافظ على عيوننا وسلامتها، وفي المعنى الديني أن نؤمن ونحافظ على بصيرتنا الروحية وعلى وعينا وممارستنا للإيمان بالصلاة الدائمة وبعمل المحبة وبالعطاء الكبير.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 20، الأحد 17 أيار 2015