«قد أتت الساعة» (يوحنّا ١٧: ١) عبارة سلّمنا إيّاها يسوع في معرض الصلاة التي رفعها إلى الآب. أودعنا فيها تدبيره كلّه، مبتدأه وغايته. يشركنا في هذه الساعة لتصير ساعتنا، نحن أبناء الله بالنعمة.
قد أتت الساعة ليمجّد الابنُ الآبَ ببذل نفسه من أجلنا في خدمته للتدبير الإلهيّ، وبإتمامه خدمة الغفران والمصالحة والخلاص، وبمنحه الحياة الأبديّة للمؤمنين به (يوحنّا ١٧: ١ و٢).
قد أتت الساعة ليقدّمنا يسوع إلى الآب، فنعرفه بدورنا، بعد أن سبق وعرَفَنا وأحبّنا بابنه يسوع، فتصير هذه المعرفةُ شركةَ حياة، ومعيّةً إلهيّة-إنسانيّة، وانطلاقةً جديدة دائمة وثابتة ومستمرّة، لكلّ واحد منّا، ولنا كجماعة مؤمنة (يوحنّا ١٧: ٣).
قد أتت الساعة لنقتبل عطيّة الآب لنا بيسوع بتبنّي الصلاة التي يرفعها يسوع، أمامنا وبشأننا، إلى أبيه، فنعمل بجدّ على تجسيدها بالأعمال الصالحة بحيث يتمجّد الآب بها فيمجّدنا هو بدوره بالمجد الذي له (يوحنّا ١٧: ٥).
قد أتت الساعة لنُظهر اسم الآب لإخوتنا وأترابنا، فتكون لهم معرفة به وشركة معه، ونكون لهم خير إخوة نعينهم على أن يحفظوا كلامه ويجسّدوه بدورهم (يوحنّا ١٧: ٦).
قد أتت الساعة ليعرف العالم أنّنا واحد في المسيح، بأن نقوم بالأعمال التي قام بها هو من أجل حياة العالم، وبأن نحمل كلامه بأمانة وحكمة إلى سوانا، وبأن تكون شهادة حياتنا تجاه إخوتنا في المسيح سبيلًا يكتشفوا عبره أنّ كلّ ما أعطانا إيّاه هو من عند الآب (يوحنّا ١٧: ٧).
قد أتت الساعة لتكون خدمتنا في الكنيسة على صورة خدمة المسيح لأعضاء جسده، فهم أعضاء نبيلة وعزيزة وكريمة بالنسبة إليه، وهو الحريص على حياتهم وآخرتهم لأنّهم عطيّة من الآب إليه (يوحنّا ١٧: ٩).
قد أتت الساعة لتصير صلاةُ يسوع صلاتَنا أيضًا، فنتبنّى مداها في جسده، أي الكنيسة، فنصلّي من أجلها ومن أجل كلّ عضو فيها، حتّى يقيموا في نزاهة الشهادة وصدق الخدمة ووحدة الإيمان (يوحنّا ١٧: ١١).
قد أتت الساعة لنبذل ذواتنا من أجل مَن نحبّ ونخدم ونصلّي من أجلهم، بحيث لا يهلك منهم أحد، بل نعطيهم ما بوسعنا، أي كلّ ما من شأنه أن يحفظهم في الإيمان الحقيقيّ والمحبّة الإلهيّة والوحدة في الحقّ (يوحنّا ١٧: ١٢).
قد أتت الساعة لنودع ذواتنا وبعضنا بعضًا المسيحَ الإله الصاعد إلى أبيه (يوحنّا ١٧: ١٣)، فنعي أنّنا قائمون دومًا في هذه الصلاة التي رفعها من أجلنا، فنتشجّع ونقوى في الملمّات والصعاب والضيقات، بأن نترك ذواتنا محمولة بهذه الصلاة المرفوعة مرّة وإلى الأبد.
قد أتت الساعة لتكون ساعةُ المسيح ساعتَنا، وليكون الابن الوحيد طريقنا إلى الآب، فتتشكّل فينا بنوّتنا لله بالنعمة على صورة بنوّته له كما انكشفت لنا بتجسّده، بأقواله وأفعاله.
قد أتت الساعة ليكون ما تقدّم سبيلًا لنا لندخل في الفرح الذي يعيشه يسوع فننمو فيه، عبر تجارب وتحدّيات، ليبلغ فينا إلى الكمال، إلى الملء والديمومة والاستقرار: «أتكلّم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملًا فيهم» (يوحنّا ١٧: ١٣).
قد أتت الساعة لنأخذ على عاتقنا العالم الذي صلّى يسوع من أجله إلى أبيه، بعد أن اختبرنا الفرح بالرجاء الذي تنقله هذه الصلاة، لا بل تنقلنا إليه، وتنقل معنا كلّ من صلّى يسوع من أجله. هكذا تنتقل ساعةُ الابن الوحيد لتصير ساعتنا، وفرحُه فرحنا، ورسالتُه رسالتنا، وصلاتُه صلاتنا. كم هو عظيم الرجاء الموضوع على فعل هذه الصلاة في نفوسنا من أجل حياتنا وخلاص العالم! هلّا تقدّمنا إذًا وخدمنا وصلّينا تحت عباءتها؟
+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ٢٠: ١٦-١٨ و٢٨-٣٦
في تلك الأيّام ارتأى بولس أن يتجاوز أفسس في البحر لئلّا يَعرُض له أن يُبطئ في آسية، لأنّه كان يعجل حتّى يكون في أورشليم يوم العنصرة إن أمكنه. فمن ميليتُس بعث إلى أَفسس فاستدعى قُسوس الكنيسة، فلمّا وصلوا إليه قال لهم: احذَروا لأنفسكم ولجميع الرعيّة التي أَقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه. فإنّي أَعْلم هذا أنّه سيدخل بينكم بعد ذهابي ذئاب خاطفة لا تُشفِق على الرعيّة، ومنكم أنفسكم سيقوم رجال يتكلّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم. لذلك اسهروا متذكّرين أَنّي مدّة ثلاث سنين لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أن أَنصح كلّ واحد بدموع. والآن أَستودعكم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمته القادرة على أن تبنيكم وتمنحكم ميراثًا مع جميع القدّيسين. إنّي لم أَشتهِ فضّةَ أحدٍ أو ذهبه أو لباسه. وأنتم تعلمون أنّ حاجاتي وحاجات الذين معي خدمَتْها هاتان اليَدان. في كلّ شيء بيّنتُ لكم أنّه هكذا ينبغي أن نتعب لنساعد الضعفاء، وأن نتذكّر كلام الربّ يسوع. فإنّه قال «إنّ العطاء هو مغبوط أكثر من الأخذ». ولمّا قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلّى.
الإنجيل: يوحنّا ١٧: ١-١٣
في ذلك الزمان رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال: يا أبتِ قد أتت الساعة، مجّدِ ابنَك ليُمجّدَك ابنُك أيضًا، كما أَعطيتَه سلطانًا على كلّ بشر ليُعطي كلّ من أعطيتَه له حياة أبديّة. وهذه هي الحياة الأبديّة أنْ يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك والذي أرسلتَه يسوع المسيح. أنا قد مجّدتُك على الأرض، قد أَتممتُ العمل الذي أَعطيتني لأَعمله. والآن مجِّدْني أنت يا أبتِ عندك بالمجد الذي كان لي عندك من قبل كون العالم. قد أَعلنتُ اسمَك للناس الذين أَعطيتَهم لي من العالم. هم كانوا لك وأنت أَعطيتَهم لي وقد حفظوا كلامك. والآن قد علموا أنّ كلّ ما أعطيتَه لي هو منك، لأنّ الكلام الذي أَعطيتَه لي أَعطيتُه لهم، وهم قبلوا وعلِموا حقًّا أنّي منك خرجتُ وآمنوا بأنّك أَرسلتني. أنا من أجلهم أسأل، لا أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتَهم لي لأنّهم لك. كلّ شيء لي هو لك وكلّ شيء لك هو لي وأنا قد مُجّدت فيهم. ولستُ أنا بعد في العالم، وهؤلاء هم في العالم، وأنا آتي إليك. أيّها الآب القدّوس احفظهم باسمك الذين أَعطيتهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن. حين كنتُ معهم في العالم كنتُ أَحفظهم باسمك. إنّ الذين أَعطيتَهم
لي قد حفظتُهم ولم يَهلك منهم أحد إلّا ابن الهلاك ليتمّ الكتاب. أمّا الآن فإنّي آتي إليك. وأنا أتكلم بهذا في العالم ليكون فرحي كاملًا فيهم.
Raiati Archives