لنا في إنجيل اليوم صورة شاب ميت ابن أرملة يقيمه السيد. يلتقي السيد الجنازة خارج السوق، والقـوم قـد وصلوا الى المقـابـر، ومع هذا لا يُسلّم المسيحُ للموت، لا يُسلّم لنهائية الموت، ويأمر الفتى أن يقـوم، ويـدفـعـه الى أُمـه.
سيـّد الحياة والموت يستطيع أن يُقيمنـا في اليـوم الأخيـر، وهـو يقيمنـا دومـا. تبـدأ القيـامـة اليـوم في القـلـب البشـريّ حسبمـا أجـاب السيـد أُخـت لعـازر لما قالت ان أخاها سيقوم في اليوم الأخير، قال لها: »انا القيـامـة والحيـاة«. معنـى ذلـك أن من كان للمسيح يتجـاوز كل ترضيض وكل تكسير يُحدثهما الموت فينا والخطيئة. ليس الموت سوى تجمّع خطايا، اذا تكدست طـوال العمر وفعلت في هذا الجسد. النفس والجسد واحد. انهما متماسكان حتى الموت. وينهار الجسد، ينهار بعد أن ورث من الطبيعة فسادها ومن الكون زواله ومن النفس كل تقهقر فيها. تتوافر هذه الاشياء لتحجب الجسد الى حين، لتجعله في الرحمة، حتى اذا انقضت الرحمانية كاملة في اليوم الأخير نُبعث الى الحياة الجديدة التي لنا في المسيح يسوع.
الإيمان من شروطه أن يُحسّ الانسان بأنه معرّض للكسر بالنهاية، انه وحده لا شيء، وان الله كل شيء. الانسان الذي يتبجّح ويحسب انه شيء قد أضاع الإيمان. والانسان الذي يحسب انه لا يستطيع النهوض بعد سقطة هو ايضًا أضاع الرجاء. ولكن الانسان الذي يعرف بآن معًا أنه معرّض للسقوط وقابل للنهوض من بعد سقوطه هو المؤمن الراسخ.
إنجيل اليوم يعطي هذا حجمًا كبيرًا اذ يضعُنا أمام شاب ميت زالت كل حياته منه، وأمام مخلّص حيّ هو كل الحياة. واذا اجتمع الحيّ مع الميت، يحيا الميت من جديد، يحيا مع الحيّ.
انعكاس هذا في حياتنا شرَحَه الرسول بولس في رسالتـه الثـانيـة الى أهـل كـورنثـوس لمّا قـال أن لنا هذا الكنـز، اي كنز النعمة، في آنية خزفية، في آنية من فخّار هشة تُكسر ليكون فضلُ القـوة لله لا للنـاس. كنـز النعـمـة في آنيـة مـن فخار تُكسر ثم يجمع الله القطع بعضها الى بعض حتى يدرك الانسان انـه كـان لا شيء وانه أصبـح بالله شيئا.
ترجمة هذا في حياتنـا اليـوميـة تـرجمـة صعبة ولكنها منقـذة. ليس صحيحًا أن النـاس يعـرفـون أنهم خطأة. خبرتي الكهنوتية دلّتني أن المسيحيين لا يعـرفـون حـقـًا أنهم خطـأة. يقـولـونهـا كلمـة، لـفظـة عنـدما يقـولـون: نحن خطـأة. معـظـم المسيحيين يحسبـون انهـم صالحـون. ولكـن مـن استطـاع أن يعـرف انـه فـي كـل يـوم يـزنـي، فـي عـيـنـيـه او أُذنيـه او في قـلبه يزني، فهذا على طريق القداسة. من استطاع ان يعترف أن تعامُلـه مع الآخـرين في العمـل وفي المجـتمع، فيه سرقة واحتيال، هذا بدأ سر الموت والقيامة. أن نشعر بأننا خطـأة وأن نرى أمامنا يسوع شافيا لكل مـرض، ان نجثـو أمامـه، وأن نـؤمـن بأنـه قـادر أن يعـطـي وبأننا قـادرون ان نُشفى الآن، وأن نبقى عـارفين أن هذا الإناء الفخاريّ يبقى خزفا هشًا، وانه معرّض للسقوط من جديد. وأن نعرف ايضًا أن الفضل لله لا لنا. هذا هو إيماننا. نحن أُناس من فخّار، والله هو إله العطاء والمحبة. الله يجمع الفخّار ويجبله من جديد بالحب الذي عند الفخّاريّ الكبير.
شاب نايين هو كل واحد منا، يقيمه الرب يسوع من الموت ويُسلّمه الى أُمّه الكنيسة كي يفرح فيها وتفرح هي به. هكذا نحيا منبثقين من قلب الفجر في نور المسيح.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ٢كورنثوس ٦:٤-١٥
يـا اخوة، إن الله الذي أمر أن يُشرق من ظلـمةٍ نورٌ هو الذي أَشـرق في قلوبـنا لإنـارة معـرفة مجـد الله فـي وجه يـسوع المسـيح. ولنا هذا الكنز في آنية خزفيـّة ليـكون فـضل القـوة لله لا منـّا، متـضايقين في كـل شـيء ولكن غير منحصرين، ومتحيـرين ولكن غير بائسين، ومضطهَـدين ولكن غيـر مخذولـين، ومـطـروحين ولكن غيـر هالكيـن، حامـليـن في الجـسد كل حينٍ إماتـةَ الرب يــسوع لتــظهر حيـاةُ يــسوع أيـضا في أجسادنـا، لأنّا نحن الأحيـاء نـُسـلَّم دائما الى المـوت من اجل يـسوع لتــظهر حيــاة يـسوع ايـضًا في أجسادنا المائتة. فـالموت إذًا يُـجرى فينا والحيـاة فيكم. فإذ فيـنا روحُ الايـمان بـعينه على حسب ما كُتـب إني آمنـتُ ولذلك تـكلّمتُ، فنحن ايـضا نؤمن ولـذلـك نـتكلّم عـالمين أن الذي أقام الرب يـسوع
سيُقيـمنا نـحن أيضًا بـيسوع فنـنـتصب مـعكم، لأن كل شـيء هو من أجـلكم لكي تـتكاثر النـعمةُ بـشُكـر الأكثـرين فتـزداد لمجد الله.
الإنجيل: لوقا ١١:٧-١٦
في ذلك الزمان كان يسـوع منـطلقا الى مدينة اسمها ناين، وكـان كثيرون من تلاميذه وجـمع غفير منطلقين معه. فلـما قرُب مـن باب المدينة إذا ميتٌ محـمول وهو ابن وحيدٌ لأُمه وكانـت أَرملة وكـان معها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب تحـنن عليها وقال لها: لا تبكي. ودنا ولمس النعش فوقف الحـاملـون. فقال: ايها الشاب لك أقول قُـم. فاستوى الميت وبـدأ يتكلم فسلّمه الى أُمـّه. فأخـذ الجميـعَ خوفٌ ومجّدوا الله قائلين: لقد قام فينا نبيّ عظيم وافتقد اللهُ شعبه.