مع اقتراب العيد نسأل ماذا نقدّم للإله الطفل المولود من أجلنا، بعد أن اعترف به المجوس بهداياهم إلهًا وملكًا ومُعَدًّا للذبح. ماذا نقول أكثر من ذلك ونحن نرتّل صباح العيد أنّ ما يريده المسيح منّا «أقوالاً لاهوتيّة مستقيمة الرأي»، أي أن نعترف به فاديًا إلهيًّا أزليًّا، نورًا من نور، إلهًا حقّ من إله حقّ، مولودًا غير مخلوق.
الكثيرون إذا سُئلوا، عندهم أنّ المسيح نبيّ أو أنّه رجل كبير ومُصلح اجتماعيّ وما إلى ذلك من تعابير، ولكنّنا نحن الذين نجتمع في الكنيسة إنّما نأتي لنتقبّله ونعترف به إلهًا وسيّدًا، لنقرّ بأنّ الإله وحده يفدي الإنسان، وبأنّ الإنسان يتخبّط في جهالته وفي موته. لكن إذا أردنا أن نخرج من هذه الدوّامة ومن اليأس ومن الموت الروحيّ، فليس علينا سوى أن نقرّ بأنّ هناك قوّة تأتي من الله نفسه بالنعمة لتشفينا.
المسيح بشّر بها وكانها وسكبها على الصليب وفجّرها بالقيامة. وما الميلاد الذي سنعيّده قريبًا سوى بداءة المسيرة الطيّبة التي سوف يسيرها من مغارة إلى مغارة، من مغارة المولد إلى مغارة الموت. المسيح بأقمطة طفلاً، المسيح بعد ذلك في كفن، المسيح تضحية من البدء إلى النهاية ليظهر للناس نورًا يضيء عليهم ونارًا. مَن تأجّجت فيه محبّة المسيح فهو في المسيح نور العالم.
المسيح كمال الأزمنة كما نقرأ في رسالة الميلاد، ولا ننتظر زمانًا غيره، ولا ننتظر مكانًا نعيش فيه غير مكان المسيح، لا ننتظر فكرًا آخر، لا ننتظر شعورًا آخر. كلّ الأشياء قد تحقّقت وما علينا الآن سوى أن نأخذ، سوى أن نصغي إليه، أن نتأمّل في وجهه، أن نحيا من هذا الوجه وأن نوحي للآخرين به.
لماذا نستطيع أن نعيش بوجه يسوع وأن نمدّه في الناس حياةً، ذلك بأنّنا به صرنا أبناء لله. لقد نفخ فينا الروح القدس وهو الذي يجعلنا نقول لله: «أبّا» وبلغتهم يعني «يا بابا». هذه كلمة الدالة من الابن على أبيه وأمّه. نحن دخلنا إذًا في عائلة الله. بعد أن كنّا مولودين في عائلة من لحم ودم، انتقلنا من كلّ ما هو أرضيّ وجسديّ ومن كلّ علاقة في اللحم والدم إلى علاقة العبادة. والعبادة بالعربيّة من العبوديّة، أي أنّنا جعلنا أنفسنا عبيدًا لله. ليس أنّنا عبيد، ولكن استعبدنا أنفسنا لمن نحبّ بحيث إنّنا ننظر إلى عين الله فقط. وهكذا نولد من جديد، نولد من رؤية الحبّ الذي يرانا الله به، لأنّه لو كان يرانا كما نحن بخطايانا، لو كان يرانا بكلّ أوساخنا، لمُتْنا ولكنّه يرانا بالرحمة ويتلقّانا على قلبه الأبويّ.
في العيد سنكون مولودين من جديد في عالم لا يعرف الله ولا يعرف جمال الإنجيل. سنكون نورًا عظيمًا في دنيا مظلمة فسيرى الناس الأعمال الصالحة ويمجّدون أبانا الذي في السموات.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: كولوسّي ٣: ٤-١١
يا إخوة، متى ظهر المسيح الذي هو حياتنا فأنتم أيضًا تُظهَرون حينئذ معه في المجد. فأَميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة والطمع الذي هو عبادة وثن، لأنّه لأجل هذه يأتي غضبُ الله على أبناء العصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلكتُم حينًا إذ كنتم عائشين فيها. أمّا الآن
فأنتم أيضًا اطرحوا الكلّ: الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح من أفواهكم. ولا يكذّب بعضُكم بعضًا بل اخلعوا الإنسان العتيق مع أعماله والبَسوا الإنسان الجديد الذي يتجدّد للمعرفة على صورة خالقه حيث ليس يونانيّ ولا يهوديّ، لا ختان ولا قلف، لا بربريّ ولا إسكيثيّ، لا عبدٌ ولا حُرّ، بل المسيح هو كلّ شيء وفي الجميع.
الإنجيل: لوقا ١٤: ١٦-٢٤
قال الربّ هذا المَثَل: إنسان صنع عشاء عظيمًا ودعا كثيرين، فأَرسل عبده في ساعة العشاء يقول للمدعوّين: تعالوا فإنّ كلّ شيء قد أُعدّ. فطفق كلّهم، واحد فواحد، يستعفُون. فقال له الأوّل: قد اشتريتُ حقلاً ولا بدّ لي من أن أَخرج وأنظره، فأسألُك أن تُعـفيني. وقال الآخر: قد اشتريتُ خمسة فدادين بقرٍ وأنا ماضٍ لأُجرّبها، فأسألك أن تُعفيني. وقال الآخر: قد تزوجتُ بامرأة، فلذلك لا أستطيع أن أجيء. فأتى العبد وأخبر سيّده بذلك. فحينئذ غضب ربّ البيت وقال لعبده: اخرُجْ سريعًا إلى شوارع المدينة وأَزقّتها، وأَدخِل المـساكين والجُدع والعميان والعرج إلى ههنا. فقال العبد: يا سيّد قد قُضي ما أَمرتَ به، ويبقى أيضًا محلّ. فقال السيّد للعبد: اخرُجْ إلى الطرق والأسيجة واضطررهم إلى الدخول حتّى يمتلئ بـيـتي. فإنّي أقول لكم إنّه لا يـذوق عشائي أحد من أولئك الرجال المدعوّين، لأنّ المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون.