يقول لنا إنجيل اليوم وهو مأخوذ من بشارة الإنجيلي لوقا: “كما تريدون ان يفعل الناس بكم، كذلك افعلوا أنتم بهم”. نجد هذا القول للسيد في إنجيل متى ايضًا (٧: ١٢). هذا قول ثانٍ والقول الأول، ولم يُقرأ اليوم، كان: “ما لا تريدون ان يفعل الناس بكم لا تفعلوه أنتم ايضًا بهم”.
عندنا في إنجيل اليوم قاعدتان أساسيتان في السلوك المسيحي: القاعدة الأولى هي أن نمتنع عن أذى الناس، ألا نشي بأحد، ألا نكذب، ألا نسرق، ألا نقتل. أيّ شيءٍ لا نتمنّاه لأنفسنا ينبغي ألا نفعلـه ضد الآخرين لأن الآخرين، كل الآخرين، هم أبناء الله والرب يفـرح بهـم، يضيئهم جميعًا بوجهه الى اي حيّ انتموا ومن اي فئة جاؤوا. فالناس كلهم لله، شاؤوا أَم أَبَوا، علموا به أَم لم يعلموا. وكما ان الأبنـاء في العائلـة قد لا يعرفون أن أباهم وأمّهم يحبّانهم، قد لا يشعـرون في ذاتهم بمحبة والديهم، مع ان الوالدين يحبّون اولادهم ويريدون لهم كل خير، هكذا الله معنا: يحب، يحب من يعرف نفسه ابنًا له ومن لا يعرف نفسه ابنًا له لأن هذه هي أخلاق الله.
والقاعدة الثانية في السلوك المسيحي أَوجَزَها لنا ربنا بقوله: “كونوا رحماء كما ان أباكم هو رحيم”. هكذا اختُتم إنجيل اليوم بعد أن أعطى السيد فيه أمثلة عن تعليمه: إن أقرضتم أحدًا ولم يدفع لكم فلا تكونوا ضده. لا تنتظروا أن تستوفُوا شيئًا، فالناس قد لا يبادلونكم العطاء بالعطاء.
المسيح لم يقل لنا: إن أحببتم الناس، يُحبّونكم بالضرورة. طبعًا هذه هي القاعدة أننا إذا أحببنا بشكل صحيح وعميق، بإخلاص، يبادلنا الناس المحبة. ولكن هذه ليست قاعدة منتظرة: قد يبادلوننا البُغض. قد لا يقدر انسان أن يحب. ولكن علينا نحن أن نتشبّه بالمسيح الذي أَحبّ أعداءه وغفر لهم وهو على الصليب، لأن المحبة غلاّبة في الأخير، هي دائمًا منتصرة.
هذا يعني أن لا نُقصي أحدًا عن قلوبنا، الا نجعل واحدًا في القلب وواحدًا خارجه. كلهم في الداخل ونعاملهم على هذا الأساس. القربى نُنشئها نحن، نحن نبادر بالاقتراب الى الناس ولا ننتظر منهم شيئًا. البشر في طبيعتهم لا ينفتحون على الآخرين، يتعصّبون لعائلتهم او قريتهم او طائفتهم. يظنون أن عائلتهم خير من بقية العائلات، وأن قريتهم أفضل من غيرها، وان طائفتهم خير من كل الطوائف. والواقع أننا كلنا من هذا الطين، كلنا مجبولون بالخطايا.
ما يقوله لنا الإنجيل هو أنه ليس من مجموعة بشرية امتازت بالأخلاق، هذا غير صحيح. توجد ظروف وانفعالات، ولكن البشر، الى اي مجموعة انتموا، بينهم خطأة كثيرون، كما بينهم محبّون كثيرون. الخطيئة والبر لا يحتكرهما أحد. الخطيئة موزّعة، والقداسة موزّعة.
عندما نجتمع معا لنُقيم الذبيحة الإلهية، نُعلن اننا جميعا واحد في المسيح، واحد في محبته، موزّعون قلوبنا الى الناس جميعا من أطراف الدنيا الى أطرافها، لنبقى أمناء حتى النهاية، والحب عندنا له الكلمة الفصل.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
الرسالة: ٢ كورنثوس ٢١:١-٤:٢
يـا اخوة، ان الذي يـثبـتــنا مـعكم في المسيح وقـد مَسحـَنا هو الله، الذي خـتمَـنا ايـضا وأعــطى عربون الـروح في قـلـوبـنا. واني أستشهـد الله على نـفسي اني لإشفاقي علـيـكم لم آتِ ايـضا الى كـورنـثـوس، لا لانّـا نسود على إيـمانكم بل نحن أعوان سروركم لأنكم ثـابتـون على الإيـمان. وقد جزمـتُ بـهذا في نفسي ان لا آتـيكم ايـضا في غمٍّ، لأني إن كنـت اغـمّكم فـمَـن الـذي يسرّني غـير مـن أسبـب له الـغـم؟ وانـمـا كتبـتُ لـكـم هذا بـعـينـه لئلا يـنـالـني عنـد قدومي غـمٌّ ممّـن كان يـنبغـي ان افرح بـهم. واني لـواثـق بـجـميـعـكم ان فرحي هـو فرح جـميـعـكم. فانّي من شدّة كآبة وكربِ قـلـبٍ كتـبـتُ الـيكم بـدموع كـثيـرة لا لـتـغـتـمّـوا بل لـتعـرفـوا ما عنـدي من المحبة بالأكثـر لـكم.
الإنجيل: لوقا ٣١:٦-٣٦
قال الرب: كما تريـدون ان يفعل النـاس بكم كذلك افعلـوا انتـم بهـم. فإنكم ان أَحببتم الذين يحبّونكم فأية منّة لكم؟ فإن الخطأة ايضا يحبّون الذين يحبـونهم. واذا أحسنتـم الى الذين يُحسنون إليكم فأيّة منّة لكم؟ فإن الخطأة ايضا هكذا يصنعـون. وإن أقرضتم الذين ترجون ان تستوفـوا منهم فأيـة منّة لكم؟ فإن الخطأة ايضا يُقرضون الخطـأة لكي يستوفوا منهم المثْل. ولكن أَحبّوا أَعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا غير مؤمّلين شيئا فيكون أجركم كثيـرا وتكـونون بني العليّ، فإنه مُنعـِم على غير الشاكرين والأشـرار. فكونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم.