«قلْ كلمة لا غير». هذا ما قاله قائد المئة الذي جاء يطلب الشّفاء لفتاه. هذا عرف أنّ كلمة يسوع تشفي. ليس الكلام البشريّ هو الذي ينفع. الكلام كلام أي أنّه هواء يتلاشى. واحدًا كان الكلمة، المسيح وحده كلمة الله. ليس أنّه حكى حكيًا لكنّه مات موتًا. ونحن في الكنيسة نجتمع لنسمعه يقول هذه الكلمة المحيية، الإنجيل، لكي بها نشفى فتصبح فينا حقيقة فعّالة.
كلّ جماعة تشاء أن تبني لنفسها كنيسة تتقدّس فيها، يكون لها المعبد وكأنّه سماء هابطة عليها. الحجارة التي تنصبها، إن هي إلاّ رموز، هي رمز قلوب تتراصّ حول المسيح الكلمة وأفكار ترتفع إليه. هي سماء يحملها مَن شاء وإله يستنزله مَن أراد إلى العرش الحقّ الوحيد الذي هو قلب الإنسان.
الإنسان لا يصعد إلى الله إلاّ لكون الله قد قال كلمته، أي أنّه قد نزل إليه. مَن لامسه الله بنعمة وعطف كريم، فهذا ابن الله، وهذا ساكن في الملكوت، وهو تاليًا منتصب في السماء، مُسمَّر على عرش الله، عن يمين القدرة.
الأشياء العظيمة لا تظهر، الأشياء الكبيرة يكتبها الله بيده، في فكر، وهي أعظم من التاريخ وأكبر من كلّ ما يتحدّث عليه العظام.
العظام، الأعظمون، ليسوا بالضرورة أولئك الذين تذكرهم الكتب. المرأة التي ترعى أولادها، والشابّ الذي يكافح في سبيل طهارته، والإنسان الذي يتوخّى الصدق، هؤلاء كلّهم أعظم من التاريخ.
الملكوت الإلهيّ، أمنيات البشريّة في توقها إلى الأفضل. أمنيات الملكوت هذه تتحقّق قبل كلّ شيء في الناس. والناس يموتون، والناس يمرضون، والإنسان ينهار. الحقيقة فينا، التي سكبها يسوع وأطلقها، هذه الحقيقة لا تموت.
نحن نكتب كلمة الله في قريتنا وفي مدينتنا، إن عرفنا أن نجاهد في سبيله، في سبيل تلك الحقيقة التي وضعها في نفوسنا. ولذلك فنحن حقيقة منصوبة في صميم الوجود يترجمها الوجود كلمة.
لسنا مدعوّين إلى أقلّ من هذا، الله افتدانا ليجعلنا لنفسه كلمات تحيا ونفوسًا تكافح وحقيقة تبلغ ذرى السماء.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: عبرانيّين ٩: ١-٧
يا إخوة، إنَّ العهدَ الأول كانت له أيضًا فرائض العبادة والقدس العالميّ لأنّه نُصب المسكنُ الأوّل الذي يقال له القدس وكانت فيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة. وكان وراء الحجاب الثاني المسكن الذي يقال له قدس الأقداس وفيه مستوقَد البخور من الذهب وتابوت العهد المغشّى بالذهب من كلّ جهة فيه قِسطُ المنّ من الذهب وعصا هرون التي أفرخت ولوحا العهد ومن فوقه كاروبا المجد المظلّلان الغطاء. وليس هنا مقام الكلام في ذلك تفصيلاً. وحيث كان ذلك مُهيّأ هكذا فالكهنة يدخلون إلى المسكن الأوّل كلّ حين فيُتمّمون الخدمة. وأمّا الثاني فإنمّا يدخله رئيس الكهنة وحده مرّة في السنة ليس بلا دمٍ يقرّبه عن نفسه وعن جهالاتِ الشعب.
الإنجيل: متّى ٨: ٥-١٣
في ذلك الزمان، دخل يسوع كفرناحوم فدنا إليه قائد مئة وطلب إليه قائلاً: يا ربّ إنّ فتايَ مُلقى في البيت مخلّعًا يُعذّب بعذاب شديد. فقال له يسوع: أنا آتي وأَشفيه. فأجاب قائد المئة قائلاً: يا ربّ لستُ مستحقًّا أن تدخلَ تحت سقفي، ولكن قُلْ كلمة لا غير فيبرأ فتاي. فإنّي أنا إنسان تحت سلطان ولي جندٌ تحت يدي، أقول لهذا اذهب فيذهب، وللآخر ائت فيأتي، ولعبدي اعملْ هذا فيعمل. فلمّا سمع يسوع تعجّب وقال للذين يتبعونه: الحقّ أقول لكم إنّي لم أجد إيمانًا بمقدار هذا ولا في إسرائيل. أقول لكم إنّ كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوبَ في ملكوت السماوات، وأمّا بنو الملكوت فيُلقون في الظلمة البرّانيّة. هناك يكون البكاء وصريف الأسنان. ثمّ قال لقائد المئة: اذهب وليكن لك كما آمنت. فشُفي فتاه في تلك الساعة.