حضور يسوع يفيض علينا حياة من لدنه. والحياة من لدنه تعني أن يحيا مَن هو مخلوق على صورته في بهاء الربّ. بالنسبة إلينا نحن المؤمنين بيسوع المسيح، هذا يعتمد على أسس ثلاثة بحسب ما يرد في إنجيل الأحد من أسبوع التجديدات، والمعروف بأحد توما.
يكمن الأساس الأوّل في سلسلة ترابطنا بالله، وهي تتجسّد في إرسالنا انطلاقًا من إرسال الآب للابن إلى العالم وتاليًا إرسال الابن للذين يؤمنون به إلى العالم.
أمّا الأساس الثاني فهو حبل السرّة الذي يعتمد عليه هذا الإرسال إلى العالم والمتمثّل بعطيّة الروح القدس، الذي ينبثق من الآب ويستقرّ في الابن، ثمّ يعطيه الابن إلى الذين قبلوا دعوة إرسالهم إلى العالم.
أمّا الأساس الثالث فيتمثّل باللباس الذي علينا ارتداؤه في هذه المهمّة، بعد حصولنا على أمر المهمّة (الإرسال إلى العالم) وانضوائنا تحت لواء قائد هذه المهمّة (عطيّة الروح القدس). وهذا اللباس هو ذاك الذي نحصل عليه عندما نُمنح غفران خطايانا. إنّه لباس المؤمن الذي يحصل عليه في المعموديّة ثمّ في ممارسته سرّ الاعتراف والتوبة، فيبيّض المسيحُ ساعتئذٍ لباسَنا أكثر من الثلج، بنعمة الروح القدس.
هذه الثلاثيّة التي تخصّ تلاميذ المسيح عبر الأجيال والعصور، أي إرسالهم للكرازة في العالم، واعتمادهم على قيادة الروح القدس لخدمتهم، وحصولهم على سلطان غفران الخطايا للمؤمنين به، هي عطايا وصلت إلينا بقيامة المسيح من بين الأموات، وعبّر عنها هو بنفسه إلى تلاميذه عند ظهوره لهم من بعد قيامته من بين الأموات: «كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولـمّا قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس. مَن غفرتم خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكتْ» (يوحّنا ٢٠: ٢١ و٢٢-٢٣).
بالحقيقة، تكشّفتْ لنا هذه الخيرات من بعد أن عَبَرَ التلاميذ معموديّة النار، وذلك في عبورهم تجربة تخلّيهم عن المعلّم يوم اعتقاله في البستان، وخيبة أملهم من موته مصلوبًا، وأخيرًا تنحّيهم عن حمل صليب اتّباعه حتّى النهاية باختبائهم في علّيّة أورشليم. لذا ابتدأ كلّ شيء بأن منحهم يسوعُ «السلام»، بعد أن توسّطهم في المكان الذي كانوا مختبئين فيه في أورشليم (يوحّنا ٢٠: ١٩ و٢١). لم تأتِ هذه الخيرات عندما كان التلاميذ في أفضل أحوالهم، بل في أتعسها وأحلكها، أي بعدما بلغوا القعر. هناك خاطبهم بالكلمة وسعى إلى أن ينهضهم من يأسهم وخذلانهم له، ويرفعهم إلى علوّ حمل الصليب، صليب التلمذة والمروءة والإيمان والتضحية بالذات على مذبح الخدمة.
سيبقى يسوع، بنعمة الروح القدس، متوسّطًا التلاميذ، أي قُبْلَتهم في كلّ شيء. باسمه يطلبون إلى الآب، وباسمه يكرزون في الأمم، وباسمه يُخضعون الشياطين ويصنعون المعجزات ويدوسون على كلّ قوّة العدوّ ولا يصيبهم شيء.
وسيبقى هو مَن يمنحهم السلام وسط التجارب وأتعاب الكرازة الرسوليّة. هذا لأنّهم فرحون بنعمته وشاكرون عليها، ولأنّهم فرحون بتدبيره وكيف انكشف طريق الخلاص لكلّ البشريّة، ولأنّهم فرحون بعودة الابن الضالّ إلى حضن الآب، ولأنّهم فرحون بالتلاميذ الذين يخدمون الإنجيل جيلًا بعد جيل.
وسيبقى هو مَن يذكّرهم بقوّة الصليب كلّ مرّة يكشف فيها لتلاميذه عن جراحه في يدَيه ورجلّيه وجنبه في ساعات التجربة القصوى، كما حصل مع توما الرسول (يوحنّا ٢٠: ٢٥)، فلا ينسون كم أنّ المعلّم والسيّد والربّ يحبّهم، وأنّه ما تنازل عنهم في أحلك ظلام، ظلام الخطيئة والشرّ والموت. سيكون هذا التذكير لقاء بالربّ المصلوب والقائم، لقاء خاصًّا يطبع جهاد هذا التلميذ ونموّه في المسيح.
طوبى لمثل هؤلاء التلاميذ، يتوسّطهم المسيح وينالون سلامه ويحملون صليبهم بفرح. طوباهم لأنّهم آمنوا ولم يروا (يوحنّا ٢٠: ٢٩). هلّا فرحنا إذًا بالربّ القائم والصانع مثل هذه العجائب، وخدمناه من كلّ ذواتنا!
+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ٥: ١٢-٢٠
في تلك الأيّام جرت على أيدي الرسل آيات وعجائب كثيرة في الشعب، وكانوا كلّهم بنفس واحدة في رواق سليمان، ولم يكن أحد من الآخرين يجترئ على أن يُخالطهم. لكن كان الشعب يُعظّمهم، وكانت جماعات من رجالٍ ونساءٍ ينضمّون بكثرةٍ مؤمنين بالربّ، حتّى إنّ الناس كانوا يخرجون بالمرضى إلى الشوارع ويضعونهم على فرش وأَسرّة، ليقعَ ولو ظلّ بطرس عند اجتيازه على بعض منهم. وكان يجتمع أيضًا إلى أورشليم جمهور المدن التي حولها يحملون مرضى ومعذَّبين من أرواح نجسة، فكانوا يُشفَون جميعهم. فقام رئيس الكهنة وكلّ الذين معه وهم من شيعة الصدّوقيّين وامتلأوا غيرة. فألقوا أيديهم على الرسل وجعلوهم في الحبس العامّ. ففتح ملاكُ الربّ أبواب السجن ليلًا وأخرجهم وقال: امضوا وقفوا في الهيكل، وكلّموا الشعب بجميع كلمات هذه الحياة.
الإنجيل: يوحنّا ٢٠: ١٩-٣١
لمّا كانت عشيّة ذلك اليوم وهو أوّل الأسبوع والأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين خوفًا من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم: السلام لكم. فلمّا قال هذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ حين أبصروا الربّ. وقال لهم ثانية: السلام لكم، كما أَرسلَني الآب كذلك أنا أُرسلكم. ولمّا قال هذا نفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس. مَن غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسكت. أمّا توما أحد الاثني عشر الذي يقال له التوأم فلم يكن معهم حين جاء يسوع، فقال له التلاميذ الآخرون: إنّنا قد رأينا الربّ. فقال لهم: إن لم أُعاين أثر المسامير في يديه وأَضع إصبعي في أثر المسامير وأَضع يدي في جنبه لا أؤمن. وبعد ثمانية أيّام كان تلاميذه أيضًا داخلًا وتوما معهم، فأتى يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال: السلام لكم. ثمّ قال لتوما: هات إصبعك إلى ههنا وعاين يديّ، وهات يدك وضَعْها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا. أجاب توما وقال له: ربّي وإلهي. قال له يسوع: لأنّك رأيتني آمنت؟ طوبى للذين لم يرَوا وآمنوا. وآيات أُخَر كثيرة صَنَع يسوع أمام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأمّا هذه فقد كُتبت لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمه.
Raiati Archives