...

كلمة الراعي تعاضد الجماعة: إيمان وإقدام وثبات

أربعة حملوا المفلوج وقدّموه للمسيح. لقد قدّموا أياديهم وطاقتهم وإرادتهم وتحسّسهم القلبيّ لواقع المفلوج. تحلّوا بعزيمة وإيمان ساعداهم على تجاوز العقبات المحتملة وتذليلها الواحدة تلو الأخرى: نفسيّة المريض، التعب الجسديّ، زحمة الناس، استحالة الدخول،…. لقد فسح لهم إقدامهم وجرأتهم بأن يكونوا مبتكرين في البحث عن حلول بديلة، واختيار أصعبها، عبر خطّة ثقب السقف وتدلية المفلوج منه.

هؤلاء الأربعة لم يألوا جهدًا فكريًّا ولا جسديًّا أو نفسيًّا إلّا وتعاونوا على وضعه في تصرّف هذا المفلوج. كانت الجماعة حاضرة لمساعدة مَن كان بينهم محتاجًا، وتساعدوا بين بعضهم البعض ليكون لتعاضدهم النتيجة المرجوّة، لا بل غير المتوقّعة. تفرح بأن ترى فيهم نفوسًا مملوءة شهامة ونبلًا وعزمًا. لا يحسبون للتعب حسابًا! هذا كان خيارهم الأصعب، والذي بدا سهلًا عليهم، لا بل طبيعيًّا بالنسبة إليهم. هذه هي طبيعة الإيمان المعيوش، لا أكثر ولا أقلّ.

ما هي الخيارات التي كانت أمام المسيح؟ واحدة لا غير. إنّها تلك التي يرويها الإنجيليّ: لقد أعطى كلّ ما لديه كما أعطى القادمون إليه كلّ ما لديهم. لا بل قدّم يسوع أفضل ما لديه، مقابل الأفضل الذي قدّمه الرجال الأربعة مع وداعة المفلوج الذي قبل خوض هذه المغامرة. فماذا قدّم المسيح؟ أوّلًا، غفران الخطايا، أي ترميم الإنسان من الداخل عبر دفق حياة جديدة، شافية ومحيية؛ عبر فتح البصر إلى مجال رؤية الله حقيقة وتسبيحه؛ عبر تقوية مفاصل النفس وإرادتها وقواها؛ عبر تنقية دوافعها ونيّتاها. ثمّ، بعد ذلك، أتى شفاء الجسد تحصيلًا لما سبقه: «لكَ أقول قمْ واحمل سريرك واذهبْ إلى بيتك» (مرقس ٢: ١١). لقد قدّم يسوع شفاء كاملًا للمفلوج، وعبره وصلت رسالته إلى كلّ المحيطين به، بدءًا من بيته ومن المحيطين به حيث بُـهِتَ الجميع ومجّدوا الله قائلين: «ما رأينا مثل هذا قطّ» (مرقس ٢: ١٢).

لقد دفع يسوع بإقدام الرجال الأربعة وشهامتهم وتعاضدهم إلى حدّه الأقصى أي إلى كماله. لربّما هذا هو الشرط الأساس لكي تتدفّق فينا حياة الله، وأن تصير حياتنا طبيعيّة بحسب ما تكشفه لنا هذه الحادثة الإنجيليّة. فهل ننجح نحن بدورنا في حمل أثقال بعضنا البعض بحيث تكون محبّتنا منطلقًا ويصير تعاضدنا مفتاحًا لتغيير طبيعة هذه الأثقال من اعتلال إلى صحّة، من اضطراب إلى سلام، ومن انفعال إلى انضباط، ومن لامبالاة إلى اهتمام وعناية؟ أم سنكون بالمرصاد لكلّ محاولة إيجابيّة ولكلّ جهد بحيث ندخل عليه اعتباراتنا الشخصيّة أو غيرها لنتساءل عن جدواها، أو أحقّيّتها، أو مشروعيّتها، أو موافقتها لمعايير عندنا واعتبارات نجلّها؟

لا شكّ في أنّ طريقة التعاطي الصحيحة مع واقع المفلوج في كفرناحوم شكّلت مدماكًا أساسيًّا في بناء الجماعة المتحابّة والمتعاضدة والمتفاعلة. هذا باركه الربّ وفعّل النيّات الحاضرة والجهود القائمة في خطّ رسالته الكبرى: «يا بنيّ، مغفورة لك خطاياك» (مرقس ٢: ٥). هوذا واقعنا الراهن يتحدّانا بالطريقة عينها التي تحدّى بها واقع المفلوج الرجالَ الأربعة. فهل نقبل التحدّي ونأخذه على عاتقنا حتّى

النهاية؟ وما النهاية سوى أن نسعى لنبلغ المسيح معًا بواقعنا ونطرحه أمامه بعرق جبيننا وهمّة سواعدنا، على مثال الرجال الأربعة. هلّا تجذبنا نعمة المسيح فنجتمع حوله «حتّى ما عاد يسع ولا ما حول الباب» (مرقس ٢: ٢)؟ هلّا نجتهد في الصلاة والصوم والخدمة فننقب السطح عندما لا نقدر على أن «نقترب إليه من أجل الجمع» (مرقس ٢: ٤)، بحيث نطرح أمامه جهودنا في تبنّي واقعنا فيعطينا أن تصير كما يشاؤها، جميلة، صحيحة، بالغة، مباركة؟

سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١: ١٠-١٤ و٢: ١-٣

أنت يا ربّ في البدء أسّست الأرض، والسماوات هي صنع يديك، وهي تزول وأنت تبقى، وكلّها تبلى كالثوب وتطويها كالرداء فتتغيّر، وأنت أنت وسِنوك لن تفنى. ولمن من الملائكة قال قطّ: اجلس عن يميني حتّى أَجعل أعداءك موطئًا لقدميك؟ أليسوا جميعُهم أرواحًا خادمة تُرسَل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص؟ فلذلك يجب علينا أن نُصغي إلى ما سمعناه إصغاءً أشدّ لئلّا يسرب من أَذهاننا. فإنّها إن كانت الكلمة التي نُطق بها على ألسنة ملائكة قد ثَبَتَت، وكلّ تعدّ ومعصية نال جزاء عدلًا، فكيف نُفلتُ نحن إن أهملنا خلاصًا عظيمًا كهذا قد ابتدأ النُطقُ به على لسان الربّ ثمّ ثبّتَهُ لنا الذين سمعوه؟

 

الإنجيل: مرقس ٢: ١-١٢

في ذلك الزمان دخل يسوع كفرناحوم وسُمعَ أنّه في بيت. فللوقت اجتمع كثيرون حتّى إنّه ما عاد موضع ولا ما حول الباب يسع، وكان يخاطبهم بالكلمة. فأَتوا إليه بمخلّع يحملهُ أربعة، وإذ لم يقدروا على أن يقتربوا إليه لسبب الجمع، كشفوا السقف حيث كان، وبعدما نقبوه دلّوا السرّير الذي كان المخلّع مضّجعًا عليه. فلمّا رأى يسوع إيمانهم، قال للمخلّع: يا بنيّ، مغفورة لك خطاياك. وكان قوم من الكتبة جالسين هناك يُفكّرون في قلوبهم: ما بال هذا يتكلّم هكذا بالتجديف؟ من يقدر على أن يغفر الخطايا إلّا الله وحده؟ فللوقت علم يسوع بروحه أنّهم يفكّرون هكذا في أنفسهم فقال لهم: لماذا تفكّرون بهذا في قلوبكم؟ ما الأيسر، أأن يُقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يُقال قم واحمل سريرك وامش؟ ولكن لكي تعلموا أنّ ابن البشر له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا، قال للمخلّع: لك أقول قُم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت وحمل سريره وخرج أمام الجميع حتّى دهشوا كلّهم ومجَّدوا الله قائلين: ما رأينا مثل هذا قطّ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

تعاضد الجماعة: إيمان وإقدام وثبات